أسير في الطريق وأنا في عنَتٍ , وجهاد , للدفاع عن حواسي الأساسية ..

أسد أنفي لمسافات ؛ كيلا تُزكمه رائحة المجاري الطافية هنا وهناك ..

وأغمض نصف جفني ؛ لأحميه من الغبار في الطريق المتراكمة على جانبيه أكوام من التراب ..

حتى وأنا في قعر بيتي تطالني الأذية رغماً عني ..فأسارع لإحكام إغلاق النافذة .. يا لها معركة للبقاء بعيداً عن القذارة!! .

أحيا بنصف حواسي , وكل ذلك يسير ..!

 فأنا يمكنني اتّخاذ كمّامة لوقاية أنفي , ونظارة لحماية عيني ..لكن ماذا عن أذني ..سمعي ؟!

كيف أحمي أذني , وكيف يمكنني العيش , والسير في الطرقات دونما سمع ؟

للأسف لا يمكنني وضع سدادة لأصون روحي من أذى الكلام البذيء الذي يتراشقه المارة فيما بينهم , كأنه فُقاعات هواء!!

لماذا لا يحسون بوقعه المؤلم على الأنفس ؟

لماذا تجمّدت مساحات النخوة في عروقهم ؛ فرضوا بهذا الكم من التعدي على شرفهم ؟!

لماذا يستعذبون القول الفاحش البذيء , ويستعذبون حتى سماعه ؟؟!!

ألم يبلغ هؤلاء إخباره " صلى الله عليه وسلم " بأن الله يكره الفاحش البذيء ؟!

يتعرضون لمقت الله , ويجرحون أعراضهم ,يسبُّون آباءهم وأمهاتهم بضمير باهت , وبدمٍ مائي , وقلبٍ ميت !!

طفل لم يتجاوز الحادية عشرة , نشب كشوكة في حلق شاب يكبره بسنوات , تمكّن المارة من فض المعركة بجهد جهيد ..

عجب الكل من جرأة الصبي , وإقدامه على مصارعة من يفوقه سناً وحجماً وقوة ؛ والأعجب من ذلك أن الغلبة كانت له في هذه المعركة غير المتكافئة ؛ لقد أعزّه الله بأنَفَةٍ جعلته أسداً هصوراً في وجه قزم متعاظم , بذيء القلب واللسان ..!

فاز لأنها معركة من أجل الشرف ..لقد ضرب الشاب؛ لأنه سب أمه ..!

رجع الصبي إلى المنزل , والدماء تسيل من شدقيه , لكنه غير آبه لوجع جسده , فهو يتيه زهواً , وينتشي طرَباً , ليس لأنه غلب خصمه في معركة صغيرة ؛ بل لأنه أعطى الجميع درساً لن ينسوه : أمي خط أحمر ,عِرضي خط أحمر , شرفي خط أحمر ..لست بذيئاً , ولن أقبل البذاءة من أحد.. هذا ما قاله لأمه !

قبّلته أمُّه بين عينيه وضمّته بافتخار ..!

البذاءة الطافحة على الألسن كأنها مجاري منتنة , تطاولت حتى بلغت أعلى مدى "العِرض والشرف" ..!

كيف لمجتمعٍ يدّعي الإيمان السكوت عن هذه البذاءة , بل وارتضاها ثقافة بيئة مفروضة بالإجبار ..؟!!

المفترض أنها بيئات لمجتمع بلد مسلم , قِيَمُه الفضيلة , والعفة , والشرف , فأين مبدأ النهي عن المنكر , واستنكار , واستعظام الفُحش ؟!

أقترح تفعيل قوانين ديناميكية , سهلة التطبيق , بعقوبات رادعة للسب العلني , والقذف , لتنظيف مجتمعنا من هذه العلّة المؤذية للوجدان والعقل ..!

اللسان كما أنه مغرفة القلب , فهو مبرمج العقل ؛ لذا فشأنه في رسم شخصية الإنسان عظيم !

ثم هو حنش سام إن أمنته لدغك , وهو مطيّة سهلة للشيطان إن غفل عنه صاحبه , واستسهل القول الفاحش ,البذيء ؛ فلسوف يرديه في قعر جهنم " وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم " ؟!