دماء مسفوكة, أجساد ممزقة متناثرة,أرواح تعانق السماء صعدت إلى بارئها, أزهقت دون سبب يذكر وفارقت الأجساد دون علم مسبق بغدر من عدو أو حاقداً أو ضامر للشر, ضنت أنها مقدسة وأنها محال, محال أن تنتهك أو يجرئ أحداً أن يمس قدسيتها التي كفلها لها الرحمن وصانها وحذر من أن تمس بسوء إلا بحق يثبت بالأدلة والقرائن ويتطابق مع الكتاب والسنة..
ضنت أنها تعيش في عالم لم ينس قوله تعالى( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً أليماً ) وأن هؤلاء العباد يخشون الله ولن يقدموا على جرم أو فعل ينافي ما أمر به الله وحذر منه,وأن الإنسان مكرم عند الله وأن ما كرمه الله لن تلوثه أيادي أو تمسه أنامل أو يؤذيه أحد لأنه من حرمات الله في الأرض ومن خلفائه فيها ولا ينبغي أن تنتهك حرمات الله أو يعتدي عليها أي مخلوق كائن من كان..
إلا أن ظنونه خابت وآماله تبخرت وأحلامه صدمت بكوابيس ووحوش تتعطش للدم وتبحث عنه إينما كان وتعشق روائحه وترقص طرباً على أنهاره المنسابة بل وتشرب منه حد الثمالة وفي أحيايين كثيرة تسبح فيه بزهو وفخر وسرور متناسية قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( لهدم الكعبة جحراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم أمرئ مسلم).
هكذا دون سبب أو عذر أو حجج يقبل بها عقل أو منطق أو يصدق بها مجنون قبل عاقل أن يقتل الإنسان بدم بارد ويرمى في الطرقات وفي الشوارع وبين الحجارة وفي البوادي والآكام قبل أن تتعفن جثته (المكرمة) وينخر الدود والجوارح جسده المقدس عند خالقه وبارئه وكأنه جيفة أو حيوان لا مكان له ولا قيمة ولا أهمية أو كأنه كافر أو فاسق أو زنديق أو خارج عن الملة أو حاد الله ورسوله وأتى بمخالفة للدين والشرع وأستحق أن يعاقب بالقتل والسحل والذبح والتمزيق والتهشيم لكل جزء في جسده..
لم يعد الإنسان بتلك المكانة وتلك القيمة وبات بالنسبة للهمجيين والدمويين بل وبات مجرد كبش محرقة أو كبش فداء يقتاته المتناحرون ويجعلون منه وسيلة لتصفية حساباتهم وشفاء غل صدورهم وتحقيق غاياتهم ونزواتهم ورغباتهم وأطماعهم السياسية التي لم تنتهي منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وجعل فيها الخلاف فيما بين البشر سنة كونية أزلية يوجدها المختلفون فيما بينهم البين..
بكل بساطة بل وبكل وقاحة خول البعض أنفسهم (وكلاء آدم على ذريته) يحللون دمائهم ويجيزون قتلهم ويتلذذون في تعذيبهم ويحرمونهم من أهليهم وذويهم ويزرعون البؤس والحزن والقهر والانسحاق والفجيعة في دواخل مصابيهم..
بكل بساطة تناسى هؤلاء حرمات الله ومقدساته وأجازوا لأنفسهم القتل والتنكيل والسحل وسفك الدماء, وتناسوا يوماً يقفون فيه بين يديه ويسألون عن كل تلك الجرائم في حق بني جلدتهم وعن سبب قتلهم دون أي مسوغ شرعي أو حجج تجيز لهم هذا الفعل الوحشي الهمجي واللاإنساني الذي تبرأ منه الله في السماء ومن في قلبه ذرة من إنسانية في الأرض ويستنكروه كلما أزهقت نفس أو أهدر دم..
فهد علي البرشاء
المستهترون بأرواح الناس 1185