كم هو الأمر عجيب وأليم في نفس الوقت, حين يكون لك اطلاع على ما يدور في أروقة القضاء وأزقة المحاكم فتعميمات وقرارات ومنشورات يتم إصدارها من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا ووزارة العدل والتفتيش القضائي إلى محاكم الجمهورية اليمنية والنيابات للعمل بموجبها في شئون مختلفة منها التقيد بالقوانين واللوائح وسرعة البت في القضايا وعدم الإطالة وضرورة النزاهة والعمل بنصوص قانونية مهملة أو مجمدة لكنك لا تجد من ينفذها سوى القلة القليلة من القضاة وأعضاء النيابة والكثير منهم يرمي بها في الأدراج وإذا ما ذكرتهم بها فتراهم وكأنهم يتفاجؤون بها مع أنها قد صدرت منذ فترة وتحمل في طياتها ما يحقق العدالة وينصف المظلوم, أما عند دعوة نادي القضاة إلى الإضراب الشامل وتعليق عمل المحاكم والنيابات مباشرة دون اتخاذ ثمة إجراءات سابقة على الدعوى إلى الإضراب فسرعان ما رأيت المحاكم والنيابات قد أغلقت أبوابها في وجه العدالة صبيحة اليوم الثاني على صدور قرار النادي ودعوته في الليلة السابقة إلى الإضراب ولعل معظم القضاة لا يدركون خطورة هذا القرار الارتجالي الذي قام به النادي وأنه لا يصب في مصلحة القضاء بل يؤثر سلبياً على هيبته وسمعته ويضعف قوته ويحط من مكانته لأن الإضراب ليس هو الأنفع لحل مشكلة القضاة وإعادة القاضي المختطف (محمد السروري ) وتحريره من الاختطاف وكان على الإخوة القضاة العقلاء أن يراجعوا قيادة النادي وإدارته قبل صدور بيانه وأن يرفضوا تعليق العمل القضائي في حال إصرار النادي على ذلك فالقضاة لا يضربون في جميع أنحاء العالم لأنهم هم السلطة والدولة وولاة الأمر وحملة القانون ومصدورا الأحكام وأصحاب الأمر والنهي وهم من يوجهون السلطة التنفيذية بتنفيذ الأوامر القضائية وإعادة الحقوق إلى أصحابها وتنفيذ أحكام الإعدام وقطع أيدي اللصوص الأمر الذي يجعل دعوة النادي إلى الإضراب إهانة للقضاء والقضاة لأن القضاة في كل دول العالم لا يضربون وغيرهم من عمال المؤسسات والشركات يضربون وعند الضرورة إلى القضاء يلجئون ويرفعون دعواهم لكي يُنْصَفون فنادي القضاة بدعوته إلى الإضراب سوى بين القاضي وعضو النيابة وبين العامل في المصنع أو المزرعة وهذا أمراً مرفوض وخطير فالقضاة خلفاء الله في أرضه والقاضي النظيف والنزيه والمستقيم والعادل تحرسه ملائكة السماء قبل أن يحرسه جنود الأرض فالخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله وعنه هابته السباع والحيوانات المفترسة كما هابه المجرمون واللصوص والقتلة فهذا رسول كسرى يجد الخليفة عمر نائماً وحده تحت ظل شجرة دون حراسة أمنية أو عسكرية فيقول له (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ) ونحن نتساءل لماذا وقّت النادي الدعوى إلى الإضراب في هذا التوقيت وهو نفس التوقيت الذي قام به العام الماضي حيث دعا إلى الإضراب الشامل في جماد أول 1434هـ واستمر حتى نهاية جماد آخر ثم جاءت الإجازة القضائية في شهري شعبان ورمضان واستمر الإضراب شهرين بعدهما وبذلك يكون نادي القضاة قد ضيع نصف عامل دون قضاء أو تقاضي احرم فيه المتقاضين من العدالة ومن إيصالهم لحقوقهم وبسبب الإضراب زاد الطين بله وانتشرت الجريمة وتوسع المجرمون وضاعت الحقوق وانتهكت الحريات فهل ينوي النادي هذا العام تعطيل العدالة كما فعل العام الماضي ؟؟فإن كان كذلك فليراجع نفسه وليخاف ربه وليحرص على حقوق القضاة والمواطنين على حدٍ سواء فنحن مستاؤون كثيراً وكثيراً جداً من أي اعتداء على القضاة وأعضاء النيابة لأن الاعتداء عليهم اعتداء على الشعب والدولة والمجتمع والعدالة وعلاج ذلك يتطلب وقوف الدولة ممثلة بالسلطة التنفيذية بحزم وقوة ضد أي مجرم أو معتدي على القضاة ولزوم ضبط المعتدين وتسليمهم إلى العدالة لمحاكمتهم وفقاً للشرع والقانون وذلك ما نأمله ونتوقعه من حكومتنا الرشيدة.
أحمد محمد نعمان
هَيْبَةُ القَضَاءِ تَذْهَبُ بِالإضْرَاب 1217