ولمن يمكن أن نبوح يما يسكن قلوبنا من مخاوف تزعزع منابر السكينة فينا؟!
وكيف لا نحمل هم هذا الوطن ونحن نرى من تحمله الجرأة والوقاحة إلى إضرام نيران الفتنة فيه كلما خبت وصارت رماداً تذروه الرياح؟.. كيف لا أحمل هم وطني وهو من أعطاني هويتي وعنواني وكينونتي وكل مشاعر الانتماء في داخلي. هل تقبل هذه الجبال وتلك التلال وهاتيك السحاب أن تحمل همه معي وتشاطرني الخوف عليه لأجل أبنائه وأبنائي؟!
كيف يمكن أن يستقيم ظل التضحيات وعود الانتماء إليه أعوج ؟! لا محالة إذا من أن يشكو من هو مثلي هم وطن لا يحمل همه الكثير من أبنائه، ولا مفر من الاعتراف أن ما تذرفه أعيننا من دمع وما تزفره صدورنا من شهقات لم يكن إلا لخيانة نراها ونحاول تغييرها لكننا لا نملك القوة الكافية لصناعة هذا التغيير وتحويله من مجرد إحساس يسكننا إلى قانون يصبح كل من يتعداه مستحقاً للعقاب.
فلمن يمكن أن نشكو خيانة الفساد واللامبالاة والتواطؤ؟! ولمن نشكو خيانة الانسحاب والبحث عن الخطط البديلة؟ وكيف لمن هم مثلنا مواطنون من عامة الشعب أن يصمتوا وحول مضاجعهم تنتصب البلايا والرزايا مثل عواصف المحيط لا تبقي للراحة مكاناً ولا للسؤدد مجالاً.
ليس ما نبحث عن بشر مثلنا يشاطرنا الهم والخوف والنكد، إنما نبحث عن آخرين من بني جلدتنا بيدهم أن يبددوا شيئاً من همنا وخوفنا الذي أصبح سمه يعرفها الناس في وجوهنا. فالوطن أصبح مرتعاً خصباً لأصحاب الإبداع الرجعي الذي يسقطون قواعد الأمس على أسس اليوم وفق مزاجيتهم الخاصة ثم لا يلبثوا أن يستفيضوا بذلك على واقع متشابك لا يعرف ظاهرة من باطنه.
ولما لم يجد هؤلاء من ثوابت الوطن ذريعة ومن سياسته حجة فقد كان الطريق الأقرب إلى قلوب الناس هو عقيدتهم التي يحاولون اليوم تمزيقها بين أبناء الشعب في قصة المذهبية والطائفية التي تنتهي فصولها دائماً بالدموية والقتل والتنكيل. أوليس هذا الأمر كافياً بأن نحمل لأجله هماً لا تطيقه جبال الأرض ووديانها؟ فماذا بقى في قلوبنا سوى هذه العقيدة التي نحميها بزهدنا وورعنا واستكفائنا بها في أيدينا من العزيمة؟! فكيف يمكن للائم أو عذول أن يستخطئ موقعنا أو يستنكر علينا دهشتنا لما يصيب هذا الوطن من تبدل في الأحوال وتغير في الأقوال!
فلمن نشكو؟؟ ولمن نشكو ومن هم على مقاعد الاستماع ما بين خصم جاهل وعدو لدود لذا هم الوطن بصمت حتى لا يشمت الأعداء أو يفرح الجهلة فكلهم في آخر المطاف شركاء في المهزلة.
ألطاف الأهدل
لمن أشكو هم هذا الوطن 1409