لست بصدد الحديث عن أخطاء الحكومة أو خلافات السياسيين أو انطفاءات الكهرباء المتكررة او الاختلال الاداري في بعض مؤسسات الدولة أو تطورات الاحداث وماراثون المفاوضات بين (الحوثيين) الذين يتمترسون على أبواب مدينة عمران واللجنة الرئاسية وما انتهت إليه هذه المفاوضات من (تنازلات متبادلة) جعلت من الحوثيين يقبلون بهدنة جديدة مدتها 15 يوماً بل إن ما سأتحدث عنه هو أمر يُعد السكوت عنه - كما قال وزير الثقافة السابق الاستاذ خالد الرويشان - جريمة ترقى الى مستوى الخيانة العظمى حيث أن المجازر التي يتعرض لها أفراد القوات المسلحة والامن واستهدافهم في مناطق عملهم والشواراع والنقاط الامنية والمعسكرات في إطار مخطط ممنهج تشارك في تنفيذه عدة جهات تجمعها نفس الاهداف والاغراض والغايات أقلها إثبات زوال هيبة الدولة وهشاشة حضورها وغياب سطوتها, ناهيك عن إدامة حالة القلق وإبقاء البلاد تحت مطرقة التوتر والعنف وسندان عدم الاستقرار وفقدان التوازن.
ولأن مؤسسة الجيش والامن تمثل رافعة الاستقرار والامن والسلام والرفاء الاقتصادي وإقامة العدل وتحقيق السلم الاجتماعي فإن من الخطأ الجسيم أن يصبح العدوان عليها منطلقاً لتصفية الحسابات او الاستخدام السياسي الآني أو المرحلي من أي طرف كان .؛ إذ ان تدمير ثقة الناس بهذه المؤسسة وقدرتها على حماية نفسها والذود عن حياض الوطن وترسيخ السلم الاجتماعي إنما يؤسس لارتهان البلد للجماعات المتطرفة وتمكينها من فرض مشاريعها المستوحاة من عصور ما قبل الدولة.
إن الحادث الاجرامي الأخير الذى استهدف نقطة امنية في محافظة حضرموت لابد وأنه شكل صدمة كبرى لمعظم اليمنيين الذين صُعقوا من بشاعة الاعتداء وحجم الضحايا وجرأة المعتدي ورد فعل الدولة الباهت والذى بدا أكثر وهناً في تعبيراته واكثر التباساً في مضمونه دون إدراك من انه ليس من الضمير ولا من الحكمة ولا من السياسة في شئ أن يُقتَل عشرون جندياً في مجزرة جماعية تهتز لها مشاعر الداخل والخارج ويمر مثل هذا الحادث البشع من دون أن يخرج الرئيس ليلقي خطاباً يتعهّد فيه بالثأر لدماء اولئك الشهداء الذين أُرِيقت دماؤهم غِيلةً وغدراً من قبل مجاميع اجرامية مسلحة يمولها سياسيون انفصاليون هاربون في الخارج أمثال علي سالم البيض الذى يبدو أنه نقل صراعه مع الشركاء السياسيين الآخرين من الصراع على قيادة الجنوب الى الصراع على قيادة حضرموت من خلال نشر الفوضى فيها كمقدمة لسلخها عن الوطن الأم وليس من المنطق ايضاً أن يُقتل ذلك العدد الكبير من جنود الامن دون ان يَطُل رئيس الحكومة من على شاشة الفضائية اليمنية لتأبين هؤلاء الشهداء ومواساة اسرهم وأهاليهم وشد أزر زملائهم من رجال الامن والجيش والذين هم أحوج ما يكونون اليوم في ظل ما يتعرضون له من عدوان بأن يشعروا أن الدولة كنظام ومؤسسات ومجتمع يقفون الى جانبهم في هذا الظرف , لا أن يسمعوا تلك الفضائية تعتذرعن فشلها في الوصول الى أي مسؤول يتحدث عن رد فعل الدولة على تلك الجريمة الشنعاء التى اودت بحياة اكثر من عشرين فرداً من أفراد الامن وكأن ما جرى لم يكن في اليمن ومن قُتلوا ليسوا جنوداً يمنيين وإنما جنود ينتمون الى جمهورية موزمبيق!!!.
لقد تكررت حوادث القتل التى تنال من أبناء القوات المسلحة والامن الى درجة لا يكاد يمر يوم دون ان تعكر صفوه حادثة أو عدة حوادث حتى صار المواطن يتعامل مع هذا العنف المتصاعد ضد افراد الامن والجيش كامر واقع بعد ان اعتاد وعقب كل هجوم مسلح على نقطة امنية او بوابة منشاة عسكرية او انفجار سيارة مفخخه او قنبلة مزروعة تودي بحياة جندي او ضابط ان تخرج عليه وسائل الاعلام الرسمية بتحليلات هزلية وتبريرات تفتقد لمهارات التأليف يكون فيها المتهم الوحيد هو (الارهاب ) والجماعات الارهابية ودون أن يُرى او يُسمَع عن تحقيق يتحلى بالشفافية والموضوعية حول أي حادثة من الحوادث والجهة التى تقف خلفها على الرغم من أن من يستهدف الجيش والامن ليست جماعة واحدة, فهناك مجاميع متطرفة من تنظيم القاعدة ارتكبت عدة حوادث وهناك جماعة الحوثي التى خاضت عدة حروب ضد الجيش والامن وهناك طرف اخر لا يمكن التقليل من جرائمه بحق الامن والجيش والمتمثل بالحراك الجنوبي الذى نزع صفة السلمية عن عناصره وبات في معركة مفتوحة مع الجيش والامن مع الفارق انه الذى يخوض هذه المعركة ويتحرك من داخل حواضن امنة تحظى بغطاء سياسي من قبل بعض الشخصيات الجنوبية المتواجدة في الخارج.
ومن المفارقات أن يستمر مثل هذا التخاذل والصمت حيال المجازر والمذابح التى يتعرض لها ابناء المؤسسة الامنية والعسكرية ليصل الامر مداه الى درجة التعتيم اذ لم يكشف حتى الآن عن القتلة الحقيقيين في جريمة السبعين التى استشهد فيها اكثر من 100 ضابط وجندي بالنظر الى ان من تم تقديمهم الى القضاء ليس الفاعلين الاساسيين وانما المتواطئين معهم كما لم يتم الكشف عن من قتل المئات من الجنود والضباط في المنطقة العسكرية في المكلا وعدد من النقاط الامنية والمعسكرات في سيئون وشبوه وابين والضالع ولحج وعدن ولم يتم الافصاح عن الجهة التى كانت وراء الهجوم على مجمع الدفاع والسجن المركزي بصنعاء ومن يقف خلف سلسلة الاغتيالات التى طالت العشرات من ضباط الامن السياسي وبعض المؤسسات الامنية الاخرى لتظل الاجابة على العديد من التساؤلات الحائرة غائبة او مغيّبة مع كل ما تثيره من علامات الاستفهام لدى الناس.
وعليه فإذا ما كانت جريمة قتل الجنود العشرين يوم الاثنين الماضي في نقطة الضبي بحضرموت قد جاءت بعد مجموعة كبيرة من الحوادث المتفرقة التى استهدفت رجال الامن والقوات المسلحة في هذه المحافظة فإن ما يبدو مختلفاً فيها هو أن منفذيها معروفون للدولة والحكومة والاجهزة الامنية والسلطة المحلية في محافظة حضرموت الا أن ما لم نستطع فهمه هو بقاء تلك المجاميع التى تتبع مباشرة حراك علي سالم البيض طليقة حتى الان في حماية بعض قيادات حلف قبائل حضرموت التى ومنذ حادثة مقتل الشيخ بن حبريش ظلت تمارس كل انواع الابتزاز للضغط على الدولة حتى بعد تحكيمها في تلك القضية بتقديم الدولة مليار ريال 202 بندقية و20 سيارة حديثة الا أن الحلف ظل يؤخر البت في اصدار حكمه حتى يستمر يمارس الابتزاز الى درجة انه الذى صار يفرض حصاراً خانقاً على الشركات النفطية والمناطق المحيطة بالمواقع الاستكشافية في محاولة لايقاف عمل الشركات في ظل صمت حكومي مريب.
والواقع أن المخاطر التى تحيق بهذا البلد لم تعد تتوقف عند حدة الانقسام السياسي وبشاعة الاستقطاب وضخامة الصراع مع الاطراف التى تنازع الدولة وجودها وصلاحياتها بل تعدى الامر الى الاستهانة بالدماء و الدعوات الصريحة للقتل والتحريض على أبناء القوات المسلحة والامن تحت أي شعار وبأي دعوة زائفة وإن لم يُفِق هذا الشعب ويقف ضد كل من يقتل اليمنيين؛ فإنه من سيظلم نفسه بإرادته.
علي ناجي الرعوي
من يقتل رجال الأمن والجيش؟!! 2369