تفاءلنا كثيراً بوزير الداخلية السابق عبد القادر قحطان، حينما تم تعيينه في أول حكومة وفاق وطني بعد ثورة فبراير التي أطاحت بالنظام السابق، كون الرجل كان ناجحاً في المناصب التي تقلدها قبل وصوله إلى الوزارة، خصوصاً عندما كان مديرا لأمن تعز، غير أنه خيب آمالنا، حينما جعل من رجل الأمن مهزلة يتقاذفها الرعاع - الذين ترصدوا هذا الوطن ردح من الزمن - بأقدامهم المتسخة بقاذورات العمالة والإرتهان، صحيح أن المرحلة التي أنتجت تلك الحكومة كانت حرجة جداً، وأن الفشل كان حتمياً؛ إذ أن طرفاً سياسياً عمل كل ما بوسعه لإفشال هذا الوزير الذي يمثل الطرف الذي يعتقد أنه جاء بالثورة التي أطاحت به، غير أن هذا لا يعفي الوزير السابق من تحمل كامل المسئولية عن إهراق هيبة الأمن وسحلها على أرصفة الشماتة والخيبة؛ إذ كان بمقدوره تقديم استقالته من أول وهلة شعر فيها بعجزه عن تحقيق الأمن للمواطن، كونها الطريقة المثلى لحفظ ماء وجهه، مترفعاً عن الأطماع الحزبية التي جعلته يعض على كرسي الوزارة بنواجذ المحاصصة..
واليوم.. نحن أمام وزير أكاديمي، مشهود له بالنزاهة، والكفاءة، والشجاعة، والنشاط.. الأمر الذي جعل تفاؤلنا في أعلى مستوياته، معتقدين أنه المخلِّص للحالة الأمنية المُزرية، غير أن تلك الصفات الجميلة والمطمئنة - نوعاً ما - لا تكفي إطلاقاً؛ إذ أننا بحاجة ماسة لأن نلمس نتائج على أرض الواقع، كيما يَصدُقْ تفاؤلنا الذي أطلقنا له العنان .
صحيح أن معالي الوزير طمئننا كثيراً حينما أزاح غبار الحزبية الذي كان يقف حائلاً بينه وناظرينا، إضافة لنزوله الميداني إلى عدد من مرافق الأمن في أمانة العاصمة وتوجيهه بمنع تناول القات أثناء العمل، وانضباطه أولاً بالدوام الرسمي ومن ثم توجيهه بإغلاق بوابة الوزارة أمام المتهاونين والمستهترين بالقوانين الجديدة، وإيقافه لبعض المقصرين في أعمالهم عن العمل، وتغيير عدداً منهم، كما حصل في حضرموت وقسم السنينة بالأمانة، واستعادة ثلاثة مخطوفين بعد ساعات قليلة من اختطافهم، وإلقاء القبض على خاطفيهم والذين كان منهم نجل أحد مشايخ وعتاولة مأرب.. كل هذا الجهد من اللواء الترب أرسل إشارات الأمان التي لامست مشاعرنا التواقة إليه، بيد أن هناك أولويات يجب القيام بها، كونها كانت من أهم الأسباب التي أطاحت بنظام صالح.. ولعل معالجتها المستعجلة سيرمم حالة فقدان الثقة بين المواطن ومنظومة الأمن المتكاملة، يقف على رأس هذه الأولويات: أقسام الشرطة التي تمثل حلقة الوصل بين المواطن وأمنه، بعد أن باتت تشكل مصدراً للخوف، ومستنقعاً للسلب والنهب، وقد تخلت عن المهام المنوطة بها واستبدلتها بأخرى توائم مع أكذوبة الوفاق التي بات الفاشلون يستخدمونها لإخفاء معالم جرمهم بحق هذا الوطن النازف حد السقوط، هذه الأقسام المفرغة تماماً من المهام الموكلة إليها وتحوّل قياداتها الأمنية إلى عقال حارات ومشايخ قبائل يسوقون الأثوار والبقر لتحكيم المواطنين متخليين عن القانون الذي تم صلبه على صارية الوهم، هي بحاجة إلى نزول ميداني مفاجئ ومستمر يشمل إدارات أمن المحافظات للوقوف على مكامن الخلل ونقاط الضعف ومعالجتها والقيام بالتغييرات المناسبة والتي لا علاقة لها بالحزبية البتة وإنما للكفاءة التي ستنعش الحالة الأمنية المترهلة وتعيد حركتها شبه المتوقفة..
كما أن شرطة السير التي تعد وكراً من أوكار الفساد وواحدة من أبرز المرافق الأمنية التي يتم فيها سلب المواطن وابتزازه علانية دون حياء ولا خوف هي بحاجة لأن يشملها التغيير وإعادتها إلى جادة الصواب.. ولا ننسى مصلحتي الهجرة والجوازات والأحوال المدنية.. كما أن المواطنين يتخوفون من قرار نقل شرطة النجدة إلى الخطوط الطويلة لمراقبة السير كونهم سيستحدثون نقاط تفتيش لابتزاز المواطنين وتعكير صفو أسفارهم كما فعلوا في الفترة الماضية داخل المدن وفي كل مكان تواجدوا فيه..
أما الجزئية الأكثر أهمية والتي تحتاج إلى جرأة معالي الوزير فهي سرعة إلقاء القبض على القتلة وزعماء العصابات وناهبي الأراضي وقطاع الطرق المطلوبين على ذمة قضايا سابقة وتسليمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم الرادع نظير ما اقترفوه بحق الأبرياء وبحق هذا الوطن الباسم حد الوجع.
لن أقول أن ما طرحته آنفاً هو كل ما يحتاجه المواطن غير أنني أرى أن معالجة هذه القضايا الهامة ضرورة ملحة كيما تستقر أنفاسنا المتهالكة بفعل الانفلات الأمني المريع.
أتمنى أن يسارع معالي الوزير بإيجاد الحلول الناجعة لكسب ثقة الشارع وألاّ يلتفت إلى تلك الجهات التي بدأت بشن حملتها المسعورة عليه نتيجة لعدم قناعاتها الحزبية بقراراته الأخيرة التي أثلجت صدورنا وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن اللواء الترب لا يمثل حزباً وإنما وطناً بأكمله.. وأن يبذل قصار جهده ليعيد لرجل الأمن هيبته التي أُريقت على قارعة الفوضى وأرصفة الفشل.
منيف الهلالي
اللوآء الترب..هل يُعيد للأمن هيبته..! 1338