تختلف نظرة المجتمعات للمرأة العاملة وفق المستوى الثقافي والاجتماعي الذي وصلت إليه تلك المجتمعات دون إغفال المستوى الاقتصادي الذي يعتبر هو المتحدث الرسمي في فعالية خروج المرأة للعمل واقتحام العالم المادي الذي أصبح لكل شيء فيه ثمن حتى الإنسان نفسه.
لكن وبالرغم من المستوى الحضاري الراقي الذي وصلت إليه بعض المجتمعات تبقى المرأة رهينة الطوق التقليدي الذي يراها ملكاً للرجل بكل ما تملك فليس في مجتمعنا فقط تعاني المرأة من استغلال الرجل لمدخراتها المالية أو معاشها الشهري فالحال ذاته هنا وهناك ولدى مجتمعات كثيرة كفل فيها القانون حرية المرأة في العمل وحقها في الاستقلال المادي غير أن الفرق الكبير في مجتمعنا أن معاش المرأة العاملة لا يصل إلى النصف وربما الربع من معاش نساء المجتمعات الأخرى ولازلت أصمم على استخدام لفظ ( معاش) رغم اعتراض الكثيرين لأن هذا القدر من المال يكفي فقط للإعاشة والإبقاء على قيد الحياة بأبسط الإمكانات وفي الرمق الأخير لضمان عدم الوصول إلى حافة الموت جوعاً.
فالمرأة في مجتمعنا لا تحظى بأي رعاية صحية بشكل دوري، كما أنها لا تستطيع العناية بجمالها وتشذيب ملامحها الجميلة ولو في بيتها خارج نطاق صالونات التجميل وهي بالكاد تستطيع دفع مستحقات الإعاشة والسكن خاصة إذا كانت منفصلة عن الزوج ومستقلة عن أسرتها استقلالا كاملاً.
تظل المرأة في مجتمعنا كدولاب الساقية لا تتوقف عن العمل داخل المنزل وخارجه بسبب حجم الاتكالية المفترضة التي سببته حرية المرأة حقها في الحصول على فرص وظيفية تستطيع من خلالها إثبات قدرتها وجدارتها في تقديم الخدمة الوطنية والإنسانية لمجتمع قلما يفهم مثل هذه المعاني العظيمة وينظر البعض للمرأة العاملة مثل بقرة حلوب لا تنعم بالرعاية الكاملة لكنها قد تحظى ببعض الاهتمام لضمان عدم حدوث الخلل في حجم الإنفاق الذي يركز على معاش المرأة في الأسر التي يعتمد أفرادها على دخل الموظفات وتتغاضى عن دخل الرجل صاحب القوامة في كل شيء ما عدا الإنفاق!.... ولو أن هذه البقرة توقفت عن العطاء يوماً لسبب أو لآخر لوجدت من ردود الأفعال حولها ما لا يمكن أن تطيق.
لهذا تبقى صامتة ومتحركة حتى لو لم تصل عزيمتها درجة القناعة والقبول. هكذا يمضي الأمر في حياة المرأة العاملة مع توسع حركة العمران الفكري والثقافي والجغرافي وسعي المرأة للارتقاء بنفسها وشركائها في النجاح سواء كانوا أبناء أو زوج أو حتى أصدقاء مخلصين.
وهكذا أيضاً تبقى نظرة المتواكلين من أولياء الأمور أو الأزواج أو الأخوة الذين فاتهم قطار التعليم وفشلوا في الحصول على وظيفة كنتيجة حتمية لتدني مستواهم التعليمي.
وإذاً فالمرأة العاملة مجرد مصدر رزق لدى البعض وهذا يجعلها تتمرد على ذاتها وكل من حولها أكثر من قبل وأكبر من كل مرة.
ألطاف الأهدل
المرأة العاملة، البقرة الحلوب! 1389