منذ أن بدأت أول فصول الربيع العربي في البلدان العربية وبدأ تأثيرها يأخذ مجراه الحقيقي في التغيير نحو إرادة الشعوب والوصول إلى غاياتهم ومبتغاهم وضالتهم المنشودة وهي التحرر من براثن الديكتاتوريين والانعتاق من تلك الزعامات التي ظلت جاثمة على صدور البسطاء ردحاً من الزمن ومنها الوطن اليمني, كان الإعلام المضاد لها يسعى لأن يحبط تلك الثورات ويقلل من شأنها بل ويشكك في نزاهتها ونزاهة الثوار الذي احتشدوا في الساحات والميادين مطالبين بالتحرر والانعتاق..
ليس لأن هذه الثورات باتت خطراً على البلدان ولكن لأن تلك الزعامات التي كانت تتربع كراسي العرش آنذاك حشدت طاقاتها وإمكانياتها من أجل أن تخلق إعلام مضاد لهذه الثورات إما للتشكيك في أصحابها أو لاتهامهم بالعمالة أو لتغطية جرائمها التي ترتكبها في حق الأبرياء الذين سقطوا حينها برصاصات الهمجية والحمية العمياء, وأيضاً لتحافظ على تلك الكراسي التي أخذت تتداعي من تحتهم وتنذر بسقوط وشيك وقريب لهذه الممالك واندثار زمان الاستبداد والاستعباد والاستئثار بكل شيء في تلك الأوطان..
وقد رأينا كيف تحّمل الإعلام المضاد على عاتقة مسئولية إفشال هذه الثورات ومحاولة إثباط عزيمة الثوار و أولئك الذين كانوا يقفون خلف شاشات (التلفزة) وينتظرون الفرج على أيدي هؤلاء الثائرون بعد أن نأت أنفسهم من الزعامات المتعجرفة, وكيف حاول أن يلمع تلك الزعامات ويبجلها ويرفع من قدرها بل ويظهرها (عكس) حقيقتها التي عايشها الشعب وعرفوها وذاقوا مرار تصرفاتها وغطرستها وعنجهيتها وإستأثارها بكل شيء..
ورغم مرور أربعة أعوام ربيع الثورات العربية وسقوط بعض الزعامات بيد الثوار وتنحي البعض وموت البعض ومقاومة( الأسد) لايزال هذا الإعلام يعمل ليل نهار وينوح على تلك الأطلال ويتباكى على أمجاد تلك المماليك التي تهاوت وتلك الديكتاتوريات التي تساقطت ويتغنى بأمجادها وغابر عهدها وماضيها التليد الجميل, وسطر أجمل الكلمات وأروع العبارات فيهم (غزلاً) و( نثراً) و( شعراً) ويذكر الشعوب (بزمان) الوصل والزهو والمجد المصطنع لأسياده ويحاول أن يستعطفهم ويستدر مشاعرهم ويستجدي شفقتهم ليندموا على ذلك الماضي وتلك العهود التي لن يندموا عليها مهما قست عليهم الأيام والسنين بعد أن رأوا منها ما رأوا وذاقوا في عهدها شتى صنوف العذاب والحرمان..
وإعلامنا الرسمي اليمني لم ينفك أن يبجل ماضي النظام الزائل ويعدد خلاله وخصاله وأمجاده وكيف تحولت البلاد بعدها إلى جحيم لا يطاق وعذاب لا يحتمل بعد أن كانت (جنة) اليمنيين على الأرض, بل وصلت الوقاحة به إلى إثارة البلابل والقلاقل والفتن ومحاولة شق العصا وخلق الفوضى والعبثية وتأجيج النزاعات والخلافات وإشعال فتيل الأزمات فيما بين اليمنين أنفسهم, ومتابعة كل شاردة وواردة وهفوة وكبوة وعفوية يقع فيها أي مسئول وتسخيرها لمصلحته ومصلحة أسيادة الذين لايزال حب (العظمة) والزهو والظهور يسكن دواخلهم على أمل أن يعودوا لماضيهم وسالف أيامهم..
وهذا ما نلاحظه في (قنوات) النظام السابق وفي كل الأنظمة التي اجتثتها ثورة الربيع العربي وكيف أنها لم تسكن أو يهدأ لها بال وتترك الشعوب تختبر من اختارتهم و ولتهم أمرها وترك الأوطان تساير تلك التحولات التي أنجبتها ثورات الربيع العربي, بل لاتزال تعمل دون كلل أو ملل بإعلامها المضاد (وتفضح) حسب قولها تلك المفاسد والأخطاء التي يقع فيها مسئولو ما بعد الربيع العربي, وكيف أنهم غير جديرين بهذه المراحل التي يقودونها وأنهم لن يوصلوا الأوطان والشعوب لشيء, وستهلك تلك الشعوب والأوطان في مستنقع ضعف وسذاجة الأنظمة الآنية..
وطبعاً هذا ليس حباً في تلك الأوطان أو رحمة بهذه الشعوب بل هو مجرد خلخلة للعمل السياسي وإثارة الفتن والفوضى والعبثية وتأجيج الصراعات وخلق (فجوة) بين الشعوب وأنظمتها الحالية, وكذلك لتظهر أسيادها وزعاماتهم الزائلة بصورة حسنة نقية بهية نعض الأنامل عليها من غيض الحسرة والندم ونتمنى عودتها لتصلح حالنا المعوج وتعيد لنا شيء من السكينة والهدوء..
وتناسى هذا الإعلام أن ألاعيبه وخططه مكشوفة ولا تخفي على أحد وأنها إحدى القذارات التي تعودنا عليها من هكذا (تبيعون) باعوا ضمائرهم هذا إن كان لديهم ضمائر, ومبادئ المهنة والأخلاق مقابل فتات (لا يسمن ولا يغني من جوع) وأن إرادة الشعوب قالت كلمتها ولن يعود ماض الظلم والعنجهية والديكتاتوريات, وأن تلك الأسماء التي طالما أقترن أسمها بالاستبداد والقمع رُميت في (مزبلة ) التاريخ ولن تعود مهما حاول هذا الإعلام السخيف أن يعيده.
فهد علي البرشاء
الإعلام المضاد 1183