نعيش ضمن مجتمع لا يحترف النقاش ولا يجيد تداول فكرته ولا يحاول تجربة احترام وجهات نظر الآخرين، في أحد المطاعم في تعز وفي جناح العائلات الخاص بالنخبة الراقية قررت وإحدى الزميلات تناول طعام الغداء واستكمال حوار طويل بدأناه في المشروع الخاص بها ويبدو أنه كان غداء عملٍ بالفعل - كما يُقال- كان إلى جوارنا في طاولة أخرى أسرة صغيرة اجتهدت في طلب كل أصناف الطعام التي تزخر بها المائدة اليمنية، وبينما اتّبعت وزميلتي نظام التدرُّج في تناول الطعام بدءاً بالمقبلات ثم الشوربة وصولاً إلى الطبق الرئيسي، أخذت الأسرة في تناول طعامها بطريقة تقليدية وخارجة عن حدود الذوق (صوتاً وصورة). ولعلّي مضطرة لأن أفسر لقارئي الكريم معنى الجملة (صوتاً وصورة)، فقد تناول هؤلاء طعامهم على خلفية نقاش حادة لدرجة أن صوت (المضغ) مع الصراخ والفوضى كان يصل إلى مسامعي ويُشعرني بالاشمئزاز الشديد، وصوره حين طلبت الأسرة طعاماً كثيراً ولم تتناول إلا نصفه تقريباً، علاوة على الفوضى الواضحة التي تركتها على المائدة وحولها، كانت الزوجة تحاول ترميز كلامها، لكن حنق الزوج وثورته جعلته يتلفظ بمفردات تكشف حجم الخلاف بينهما رغم وجود طفل وطفلة على المائدة، الطفلان لم يشعرا أن هذه الأجواء المشحونة بالغضب هي من تدفع أحدهما للبكاء والآخر لالتهام الطعام بطريقة غير لائقة سببت الاختناق تقريباً.
وبعد أن انتهت الأسرة من تناول الطعام، كانت قصة حياتها قد وصلت إلينا كاملة، فيبدو أن المرأة أجبرت على الزواج من هذا الرجل الذي يكبرها سناً ويعيش خارج الوطن لسنوات عديدة بينما كانت الزوجة تأمل في الانتقال معه إلى خارج الوطن، لكن دون جدوى، وبعد كل هذا بدأ الفصل الأخير الذي أتمنى أنه لم ينتهِ بالانفصال بين الزوجين، فبعد تنفُّس الصعداء والسكوت لبرهة قصيرة استدعى الزوج أحد المباشرين لطلب الحساب الذي وصل العشرة آلاف ريال، فما كان من الزوج إلا أن دفع المبلغ وعليه ورقة فئة ألف أخرى كـ(بقشيش) أو (إكرامية) كما يسميها البعض، ومع تردد المباشر في الأخذ إلا أن الزوج تمسّك برأيه في لهجة هادئة ومؤدبة مصحوبة بدعوة لطيفة جعلت المباشر يقبل الإكرامية وينصرف، المفاجأة في حنق الزوجة واتهامها له بالإسراف وأن هذا ما يدفع بأهله لاستغلاله بينما تبقى هي لسنوات في انتظار عودته.. أصبح النقاش حاداً وانتهى بأن قال لها سأسبق إلى السيارة.. طبعاً كنت وزميلتي نتناول غداءنا بصمت شديد يخالطه الحزن والأسى، حزنت أنا (كأم) على الطفلين اللذين سَمِعا كل ما حدث، وحزنت هي كـ(عانس) على موقف المرأة من زوجها! مع اعتذاري لزميلتي التي تعترف بعنوستها ولا تعترف بذكائها ونجاحها.
ألطاف الأهدل
حتى في(البقشيش)لا نتفق 1437