يكفي كذاب يمتلك مؤهلات النفاق، وبراعة المكر والتدليس، وجرأة في تزيين الباطل، وقدرة في تزييف الحقائق، ومشبع بعدم الخوف من الله.. أن يقف خلف قناة او صحيفة أو مذياع، فيزعزع الهدوء النفسي، وينزع الطمأنينة من المجتمع، ويبث الخوف بين أفراد الشعب، ويثير الفتن، ويصور البلاد على أنها على شفا جرف هار، ويلعب بأعصاب المواطنين، ويوسع الفجوة بين المتخاصمين، ويجعل من (الحبة قبة)، وقد ربما ينسف استقرار البورصة، ويهدم الاستثمار، ويرفع بالمدح الفاسدين، ويضع بالذم الصالحين، ويقود من سلموا له عقولهم إلى الهاوية، وتنتشر بين الناس ما بثه من إشاعات، فتتناقلها الألسن عبر المجالس، وتسري بمواقع التواصل الاجتماعي..
انظروا إنه كذاب واحد خلف وسيلة إعلام، فماذا لو كان هناك عدة كذابين خلف عدة وسائل كيف سيصير المجتمع؟ إننا لو قدر لنا أن نكتشف الكلمات وهي تسير عبر البث الفضائي في السماء لحجب الكذب عنا أشعة الشمس لكثرة انتشاره.
ومن هنا يتضح خطورة الإعلام على البلاد والعباد إذا كان بيد مجموعة ممن لا يخافون الله، وﻻ يعون خطورة الكلمة، وﻻ ميزانها عند الله، لقد ابتليت الأمة في عصرنا بكارثة كبيرة اسمها حرية الإعلام غير المنضبطة، حرية تقول ما تشاء فتستبيح كل شيء، دون زجر من شرع وقانون، وﻻ مراعاة أخلاق، وﻻ وازع من ضمير.
إن المرء العاقل الواعي يصاب بالغثيان من السباق المحموم بين أغلب وسائل الإعلام على الإطاحة بمنظومة القيم، ونسف الأمن بزراعة الفتن، وصب الحقد بين أبناء الوطن، مع أن الإعلام معناه الإخبار، إلا أننا في ظل هذه الفوضى صرنا لا نعلم أين الخبر الصحيح.
ومن هنا فإني أناشد كل الإعلاميين أن يتقوا الله في الوطن، ويجعلوا من مهنتهم ترميماً للجروح، ووصلا للمودة، وعودة للأخوة، ونشراً للخير، وزرعا للأمل، ونقلا للحقيقة، ودلالة يدلون بها الناس إلى الله.. إن خطورة الاعلام تكمن اليوم بأنه يدخل كل بيت ويصاحبنا في شوارعنا وهواتفنا, فتخيلوا كم من أجر يكتسبه الإعلامي الصادق، وكم وزر يحصده الإعلامي الكاذب، إن الإعلامي الصادق داعية إلى الخير مأجور من الله, محبوب من الخلق، إنه الإعلامي الذي يحل المشاكل، ويقلل العداوات، ويثري المعلومات، وأشد ما في الأعلام خطورة اليوم هو تسليم الناس عقولهم له، فيصيغها كيفما يشاء، دون تثبت أو تمحيص، وتتحول هذه الصياغة إلى قناعات يصعب تغييرها.
فيا أيها المواطنون حافظوا على عقولكم معكم، وﻻ تسلموها لغيركم من وسائل الدمار، وتثبتوا من كل ما يقال، أسأل الله أن يجعل إعلاميينا دعاة خير ﻻ دعاة شر.
محمد بن ناصر الحزمي
أيها الإعلاميون..اتقوا الله في الوطن 1357