قبل ثورة 14تموز 58م بثلاثة أيام كان الفتى صدام حسين وزملاؤه الفائضون حماسةً وعنفواناً قد خاب مخططهم التأديبي لإمام جامع الحسين في الكرخ ببغداد - شيخ ستيني نُسِب إليه وقتها بوصف البعث والبعثيين بـ" قطَّاع الطرق ".
تم تأجيل العملية إلى يوم 15تموز، وفيما الفتيان يرتقبون اليوم المحدد لعمليتهم , إذا بالعقيد عبد الكريم قاسم ورفاقه من قادة الجيش يُطيحون بالنظام الملكي القائم, مُعلنين صبيحة ذلك اليوم الأغر عبر إذاعة الدولة نهاية حكم العائلة الهاشمية وقيام جمهورية العراق.
نبأ كهذا بلا شك أكبر من أن يتوقعه أو يُفكّر فيه فتيان في سني المراهقة. تأمل صدام وقارن بين ما كان ينوي وزملاءه فِعله في اليوم التالي للثورة وبين فَعلة ضباط الجيش، لا مقاربة تُذكر بين الحالتين، بل مجرد التفكير بمضاهاة رجل شائخ باعتباره هدفاً لتنظيمٍ قومي شعاره " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " بانقلاب عسكري أطاح بكامل نظام الحكم أعدها مماثلة ظالمة ووقحة ومستفزة.
ما سبق ذكره قرأته في رواية " عالم صدام حسين " كاتبها مهدي حيدر الضحية المنفي لثلاثة عقود، القصة مزيجٌ من التاريخ وفن الأدب, كما أن فيها من السحر والمتعة واللغة والتواريخ والشخصيات والأحداث الشيء الكثير.
ومع وفرة ما يستوقفك وأنت تقرأ مجرياتها بشغف وولع ؛ فإن ما استوقفني بحق هو كيف أن أفكار البعض منا تبدو جنونية ونزقة وضيقة تماثل صبيانية صدام وجماعته إبان فتوة المراهقة؟ وكيف أننا في الأغلب في خضم أفكار مراهقة صاخبة ضيقة لا تستقيم مطلقاً مع حاجة هذه البلاد إلى الحكمة و"العقلنة" والرشد؟.
فهذه جميعها يستلزمها أفكارٌ ثورية ورجالٌ كبار بمقدورهم إيقاف صِغار القوم عن مواصلة عبثهم، كما أن بمستطاعهم تكرار فعلة العقيد عبد الكريم قاسم المدهشة والموقظة لذهن فتى مثل صدام وزملائه الذين ظنوا خلاص وطنهم في اغتيال ضابط شرطة عائد إلى منزله أو بضرب إمام جامع أو رفيق خائن آثر مبدأ التسامح على العنف.
نعم فبقدر ما ظنوا أن أفعالهم الصغيرة مهمةٌ وطنية مشرّفة؛ كانت ثورة الضباط قد أحدثت فيهم صدمة ذهنية وفكرية كبيرة سرعان ما أيقظت فيهم فكرة كيف أن الإنسان قد يثور من أجل بغلة أو وطن؟ في سبيل فكرة مجنونة طائشة نزقة أنانية ضيقة اختمرت في ذهنه هو وجماعته أو من أجل غاية عظيمة كجمهورية قاسم ورفاقه؟.
محمد علي محسن
جمهورية قاسم وثورة صدام !! 1649