صباح شمسه حزينة ..
أصوات حركة غير عادية في الحارة..
انبعثت القراءة مبكرا من مئذنة الجامع.. أشخاص يطرقون الأبواب:
يبحثون عمن يغسل ميتة..!
رن الهاتف.. جارتنا تزف الخبر المفجع:
ماتت (....)..ارتفع صوت أمي بالتأوه:
أوووه.. ما زلت صغيرة.. ماذا؟
كانت مصابة بالسكر..؟
عرفتها فوراً, إحدى تلميذات حلقة التحفيظ , قروية ساذجة انتقلت, وأسرتها للعيش في الحارة من قريب..
بريئة, طيبة القلب.. كانت معلمتها تعاني كثيرا لتصحيح مخارج الحروف لديها بسبب لكنة قريتهم الصعبة..!
في إحدى الأمسيات الفارقة, تأخرت قليلاً في العودة إلى المنزل من حلقة التحفيظ, لم تشعر بالوقت وهي بين صويحبات الدرس القريبات من المسجد فتأخرت.. اختبأ لها الأخ الأكبر, على منعطف الطريق.. باغتها بسلسلة من اللكمات, والضربات العنيفة, التي نزلت على جسدها الهزيل كمطرقة.. أتلف البنكرياس من هول الصدمة.. سنتان وهي تغرس إبرة الدواء كل يوم في عطف جسدها المتغضن من شدة الهزال..
فقط لأنها تأخرت قليلاً في العودة للمنزل!!
اليوم فارقت (....) الحياة.. انتقلت الروح لبارئها في صبيحة يوم حزين.. ماتت وهي تحتضن المصحف.. وثمة الكثيرات من أمثالها فارقن الحياة في ذات اللحظة, وبذات المشهد, وفي بقاع شتى من البلد..!
روت لي ذات مرة قصصا عن فتيات كثيرات, كانوا يجدوهن أمواتا في بئر قديمة مهجورة في قريتهم.. فقط الفتيات الصغيرات هن من يتعثر ويموت في هذه البئر !!
هل يقع في هذه البئر فتية, نساء كبيرات, أو حتى بهائم القرية؟!!
لا.. فقط الفتيات هن من يقعن في هذه البئر, التي ستشهد يوم الحساب على الأيدي الآثمة التي قذفت بهن في حفرة الموت البطيء هذه!
العنف ضد الأنوثة عرف سائد في المجتمع, ومغلف بصور شتى..!
لا يكفي إصدار قوانين بتجريمه, وفرض عقوبات على فاعليه, بل لابد من بث مفاهيم الدين الصحيحة في المحافل, وبين الناس البسطاء عن قيم الرحمة في التعامل مع المرأة, ومعرفة الأحكام المشروعة عند الخروج على قيم المجتمع أو ارتكاب الخطأ, ووجوب إيقاع العقوبة العادلة عليها, والتي أوجبها رب السماء, وليست العقوبات العرفية الظالمة, وضرورة التأكيد على حرمة المبالغة في تجريم الأنثى لمجرد أنها أنثى!!
أنظروا لمنهج رب السماء, ستجدون الخطاب, والعقوبات الربانية واحدة مع الجنسين: السارق والسارقة, الزانية والزاني..الخ
سيحل على هذا المجتمع غضب من الله عظيم إن هو لم يحارب ثقافة العنف, والعنصرية المقيتة ضد جنس الإناث؛ وعقوبة السماء لا تفرق بين المجرم, والساكت على الجرم "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.."
بل أكاد أجزم بأن هذا الحيف, والظلم الواقع على النساء_ والصغيرات بالذات منهن _ سبب لتسلط أعداء الأمة عليها, وتسلط ولاة أمور قساة علينا, وسبب لشح الأمطار وقلة الأرزاق.. قال "صلى الله عليه وسلم ": إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ..وأيضا يقول "صلى الله عليه وسلم" : الراحمون يرحمهم الله ..
أخيراً: يا أيها الرجال:
القسوة والاستطالة على النساء الضعيفات ليست من الرجولة في شيء؛ بل العكس هو الصحيح؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد بأن خياركم, خياركم لنسائهم ..!
نبيلة الوليدي
تتكرر المأساة.. وتستمر العقوبات الجماعية..! 1281