حرص الرئيس عبد ربه منصور هادي في خطاب الثلاثاء الماضي على أن يضع القوى السياسية المشاركة منها في الحكومة أو تلك التى تقف خارجها في صورة المشهد الراهن في البلاد ومن ذلك تمدد النشاط الإرهابي لتنظيم القاعده في مناطق واسعة من البلاد مذكراً بالتاثيرات السلبية لهذا التمدد على الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي خصوصاً بعد أن تحولت اليمن الى حاضنة للعديد من العناصر الإرهابية الاجنبية التي توافدت عليه من أصقاع الارض مسكونةً بالرغبة في تفكيك بُنية الدولة وضرب مقومات الاستقرار واشاعة الفوضى في هذا البلد وتحويله إلى إمارة تعيده إلى مجاهل عصور القرون الوسطى.
من المؤكد أن الرئيس بذلك الخطاب قد أراد أيضاً حشد الجهد الوطني في مواجهة خطر تنظيم القاعدة وتكوين رأي عام يقف الى جانب الدولة والقوات المسلحة والأمن في المعركة الحالية مع هذا التنظيم والتى كانت على مشارف الانطلاق استناداً الى خطة وضعتها اللجنة الأمنية العليا لهذه المعركة التى أريد لها أن تسير هذه المرة وفق استراتيجية شاملة وقوانين محددة من شأنها تقويض التهديدات التى بات يشكلها النشاط الإرهابي في مناطق عدة بعد أن تعززت القناعة لدى القادة العسكريين والأمنيين من أن الغارات التى تشنها الطائرات الامريكية من دون طيار لا يمكن لها وحدها أن تحقق انتصاراً ساحقاً على تنظيم القاعدة من دون تدخل الجيش والأمن على ارض الواقع وبسط النفوذ على المناطق التى تتواجد فيها عناصر الإرهاب ومثل هذه القناعة لا شك أنها قد اكتست فاعليتها في ظل التذمر الناتج عن أخطاء طائرات ( الدرنز) وسقوط ضحايا من المدنيين, ممّا أثار سخطاً عاماً في بعض المناطق وقبائلها التى طالبت الدولة بإيقاف تلك العمليات لما تشكله من تهديد على حياة المدنيين.
وعلى الأرجح أن الرئيس كان مدركاً أن حرباً عنيفة مع القاعدة في الفترة المقبلة تقتضي أولاً حشد التأييد لها من كافة القطاعات السياسية والمجتمعية وبما يزيل أي تقاطع بين الدولة والمجتمع وإيجاد اصطفاف وطني واعٍ لحقيقة أن النجاح الذى حققه مؤتمر الحوار سيبقى دون معنى مالم يتم الانتقال بمخرجات ذلك الحوار الى واقع التطبيق وأن إنجاز مثل هذه الخطوة سيظل متعذراً وغير ممكناً من دون السيطرة على موجة العنف والقضاء على تهديدات الإرهاب وتخليص الوطن من ذلك الفكر الاقصائي والجانح والمنحرف الذي يتناقض مع تعاليم الدين وثقافة المجتمع وتقاليده وقيم الوسطية والاعتدال التى يتمسك بها الشعب اليمني الا انه ورغم كل ما قيل حول هذه المعركة وضرورتها فإن ذلك لم يمنع من ظهور موجة من الجدل بين السياسيين الذين تباينت أطروحاتهم بشأن هذه الأهمية الى درجة رأينا فيها من يطرح بأن الرئيس باختياره هذا التوقيت لمعركة كهذه إنما أراد أن يرمي الكرة في ملعب القوى السياسية التى ظلت تطالب بتدخل الجيش لإيقاف تمدد المليشيات الحوثية وفك الحصار الذى تفرضه على محافظة عمران بل إن هناك من تجاوز ذلك الى اتهام الدولة بإشعال معركة مع القاعدة نيابة عن أمريكا والدول الغربية المتهمة من قبل بعض اليمنيين بأنها من جعلت اليمن ساحة لتصفية حساباتها مع الجماعات الإرهابية بهدف استنزاف مقدرات هذا البلد وبنيته المادية والبشرية في حين أن تلك الدول لم تف بالتزاماتها الأخلاقية تجاه اليمن وشعبه ولم تكترث لحجم الخراب والدمار الذى حاق به جراء حروبه مع تنظيم القاعدة الذى لا يعد تشكيلاً محلياً وإنما تنظيماً دولياً يفترض أن تتحمل أعباء مواجهته كافة الأطراف الإقليمية والدولية.
لم يكن مفاجئاً للكثير مثل هذا الجدل لكن المثير حقاً انه وفي الوقت الذي ينبغي أن يقف فيه الجميع صفا واحداً وراء الجيش ومساندته في هذه المعركة باعتباره رمز وحدة البلاد في وقت لم يبق في اليمن شيئاً موحداً غير الجيش والقوى الأمنية نجد في المقابل من اتجه الى اثارة حزمة من علامات الاستفهام إما بغرض إحراج السلطة حيال ما كانت تدعيه حول عدم جاهزية الجيش لخوض أية مواجهة مع طرف مسلح والطرف المعني هنا هم الحوثيين, فيما هي التى لا ترى مثل هذا العامل معيقاً في المواجهة مع تنظيم القاعدة وإما بهدف التشكيك في تقديرات السلطة التى يؤخذ عليها من قبل هؤلاء أنها التى اتجهت الى حرب مفتوحة مع القاعدة على حساب أولويات أخرى تتعلق أصلاً باستكمال عملية إعادة هيكلة الجيش والأمن وإنجاز ما تبقى من المهام الانتقالية, بل إن هناك من قفز الى أبعد من ذلك بتأكيده على أن الاعتماد على الحلول الأمنية والعسكرية فقط في المعركة مع القاعدة, لن يكون مجدياً بالنظر الى أن القوة المادية والبشرية لتنظيم القاعدة ليست سوى أحد جوانب المشكلة بينما الجانب الأكثر أهمية يتمثل في البيئة المحيطة الحاضنة لنمو ظاهرة الإرهاب والتطرف والتي من أهم أسبابها انتشار السلاح والفقر والبطالة بين الشباب وهي عوامل تسهل على القاعدة عمليات التجنيد واستغلال ظروف الشباب بغسل أدمغتهم والزج بهم في مستنقع التطرف باساليب مختلفة.
وفي كل الحالات فإنه ومهما كانت وجاهة هذه الأسباب, فإنها لا ترقى الى مستوى يجعل البعض يضعف من موقف الجيش في هذه المعركة أو تصوير المواجهات التى يخوضها بأنها عبثية او ترمي الى تحقيق سلسلة من المصالح السياسية مع أنه كان الأحرى بهؤلاء الاحتفاظ بمواقفهم الى بعد هذه المعركة وحينها يمكن مطالبة الدولة بالتعاطي بنفس الصرامة مع أي جماعة مسلحة تحاول أن تجعل من نفسها دولة داخل الدولة.
وفي الوقت الذى لا نجد فيه ما يحول وتوجيه اللوم والعتب على أولئك السياسيين الذين أعمتهم بعض الحسابات الشخصية أو الحزبية أو السياسية عن رؤية الخطر الماحق الذى قد يتسبب به أي انقسام داخلي حول عدالة المعركة التى يخوضها الجيش هذه الايام ضد القاعدة, فإن من حقنا ايضاً مخاطبة أخوتنا في المحافظات الجنوبية والشرقية التى تسربت إليها القاعدة واتيحت لها فرصة التغلغل في صفوف مواطنيها وكسب موالين لها من عناصر الجناح المتطرف في الحراك الجنوبي بالقول إنه ولولا سلبية مواقفكم لما أمكن للقاعدة الوصول الى بعض اهدافها في المرحلة الماضية انطلاقاً من الاعتداء على النقاط الأمنية والمعسكرات ومهاجمة الشركات النفطية, وبالتالي فإن المطلوب منهم اليوم وما لم يجعلوا من انفسهم عوناً للدولة كواجب من واجبات المواطنة, فإن عليهم ألاّ يكونوا عوناً للقاعدة إذ أن من حق الدولة أن تدافع عن نفسها وعن هيبتها في أي مكان يتعين أن تفرض فيها هذه الهيبة وجودها .. فالقاعدة وأنتم تعرفون هذا جيدا استطاعت أن تجد لها مؤطى قدم في العديد من المناطق الجنوبية والشرقية بعد ان نجحت في استقطاب الحراك الى جانبها وتوظيف امكانيته لصالح معركتها ضد الدولة والعملية السياسية ومن غير المنطقي ان تقوم القاعدة بسفك دماء أخوة لكم من رجال الأمن والجيش يسعون لحمايتكم والسهر على سلامتكم فيما اطراف منكم يقومون بالتحريض عليهم.
لقد هالني ما سمعته من البعض حول قيام بعض عناصر الحراك بعد دخول الجيش الى المناطق الساخنة بمحاولة استعداء المواطنين على الافراد والجنود الذين جاءوا الى تلك المناطق لتخليصها من شرور الإرهابيين والقتلة وليس (لاحتلالها) او انتهاك الحرمات فيها وهي استفزازات جرى التعاطي معها بحكمة وتعقل من قبل العسكريين الذين لاشك وانهم قد استوعبوا ان الارادات المتضررة من عودة الأمن والاستقرار إلى ربوع تلك المناطق قد تحركت ولذلك فلم يجعلوا هذه الاستفزازات تعقيهم عن المضي في تنفيذ بنود خطتهم مهما كانت الظروف والمعطيات ومهما بلغت التضحيات.
وأمام هذه الحالة من حقنا هنا أن نتساءل ومن حقنا أن نندهش ونستغرب ونتفاجأ من هذه التصرفات وسكوت العقلاء عليها ان لم يكن من حقنا ان نصرخ باعلى صوت في وجه أولئك الحراكيين المتطرفين الذين لم يكفهم ما أحدثوه من خراب ودمار وما أهرقوه من دماء في سنوات وسنوات جرى فيها الاستخفاف بمشاعرنا ووحدتنا وثوابتنا وارواح العديد من الأبرياء الذين سقطوا, إما برصاص بندقية قناص يتلطى خلف حائط او مأجور يختبي خلف ثقب او مامور يحتمي بجدار او ستار فيكفي ما صنعتم فينا ولا نعتقد ان احداً بعد اليوم سيقبل من جديد ان تعيقوا خطة الجيش في دك أوكار الإرهاب التي تطوي بين حناياها الويلات والمصائب وغيبوبة وطاويط الليل وفزعات النهار.
علي ناجي الرعوي
نحن .. و(القاعدة) وأخواتها !! 1870