الإنسان بين أمرين اثنين (الأول) أن يعيش حراً عزيزاً كريماً شجاعاً مهابا لا يخاف في الله لومة لائم مستشعراً لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) و (الثاني ) أن يعيش مهاناً ذليلاً خائفاً جباناً يصْدُق في حقه قول الشاعر
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
والإنسان هو من يحدد مصيره ويختار لنفسه أحد الأمرين فالنفس الحرة الكريمة لا تقبل الضيم ولا تفعل المنكر ولا تقترب من الدنايا بل تفعل كل جميل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. قال الشاعر :
من يفعل الخير لا يحرم جوازيه
لا يذهب العرف عند الله والناس
والتحرر من الخوف أمر ضروري ولازم وعلينا أن نفرق بين نوعين منهما أحدهما محمود والآخر مذموم فأما المحمود فهو الخوف من الله ويتمثل ذلك بإتيان ما أمر به والابتعاد عما نهى عنه فيكون جزائه ما ورد في قوله تعالى ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) أما الخوف المذموم فهو الخوف من البشر وهذا الخوف مذموم لأنه يكون حائلاً بين الإنسان وبين قول الحق وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين أداء ما في ذمتك من شهادة خوفاً من هذا المتنفذ أو ذاك المسئول المتعجرف فهذا الخوف لا يكون مذموماً فحسب بل محرماً قال تعالى(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه) والخوف من الناس داء فتاك يذل صاحبه ويضر به ويقضي على القيم والمروءة لديه ويجعله جباناً..
بل إن المجتمع الذي لا يتحرر من الخوف من الناس لا يرتقي إلى العلياء ولا يكون صالحاً وناجحاً في أمور حياتيه, الدنيا والآخرة, بل إن حقوق الضعفاء فيه تضييع وأموالهم تهدر وأعراضهم تنتهك بسبب ضعف الوازع الديني الذي يثمر الخوف من البشر أكثر من الخوف من الله وما واقعنا الذي نعيش فيه ببعيد عن هذا البلاء والداء فكم من حقوق للضعفاء والمساكين تضيع وأموال تنهب جهاراً نهاراً على مرء ومسمع من الناس لكن هذا الضعيف وذاك المسكين لا يجد من ينصره ويشد أزره ويشهد معه بالحق أمام القضاء بسبب الخوف من المتنفذين والظلمة المعتدين فيقوم الضعيف بالاستنصار والاستشهاد بمن كان حاضراً وقت الواقعة فلا يجد رجلاً حراً يخاف الله وقد تجد شاهدا يقدم اعتذاره ويبدي كذباً عدم علمه بالواقعة إن لم يختفي عند طلبه والشريعة على الظاهر فالتحرر من الخوف أمر لازم وضروري والناس أمام الشرع والقانون سواسية في جميع الحقوق والواجبات فالخالق والرازق والنافع والضار والمحاسب والمعاقب ومن بيده الجنة والنار هو الله وحده لا شريك له وهو الذي يجب الخوف منه..
وقد ابتلت أمتنا بالضعف الديني وتمجيد الزعامات وتعظيمهم والخوف عنهم ونتيجة ذلك فقد سلطهم الله عليها فاستعبدوها وداسوا كرامتها ولم تجرؤا شعوبهم على معارضتهم أو الوقوف ضدهم أو مخالفتهم وصدق الله القائل ( نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) ولابد من اليقظة والتحرر من الخوف المذموم إلى الخوف المحمود والواجب وهو الخوف من الله الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شيء قدير .
أحمد محمد نعمان
التَّحَرُّرُ مِنْ الخَوْف 1101