إن الثورة المضادة أو من يريد أن يسرق من الثورة بريقها فهو واهم لأننا أمام مرحلة فيها متغيرات كثيرة، ومنها تعلمت الشعوب كيف تثور، ولذا فإنها ستبقى قادرة على استرجاع بريق ثوراتها. وأمر طبيعي أن يرافق كل ثورة بعض الأخطاء مهما كان بريقها.. فحتى الثورة الفرنسية, التي يرجع لها الفضل في وضع أسس الديمقراطية والتي اندلعت في 1789م، ورغم ما حققته من مكتسبات في بدايتها، لعل أهمها إصدار قانون حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، الذي وضع اللبنات الأساسية لنظام المساواة، وألغى نظام الامتيازات الإقطاعي والمحاكم، إلا أن الثورة واجهت منعطفاً خطيراً، كاد أن يحرفها عن مسارها، بعد بروز توجه ديكتاتوري قاده عضو «لجنة السلامة العامة» «الحكومة التنفيذية»، والذي تسبب في مقتل ما بين 16000 و 40000 مواطن فرنسي، في فترة وجيزة امتدت خلال سنتي 1793 و1794م، باسم «قانون المشتبه فيهم» الذي تم وضعه بهدف تصفية الخصوم وحماية مكتسبات الثورة، لكن هذا لم يمنع من إعادة تصحيح أخطاء الثورة، بدستور جديد سنة 1795، تأسست بموجبه حكومة الإدارة. ورغم كل المنعرجات والمنعطفات والانتكاسات التي مرت بها، استطاعت الثورة الفرنسية أن تعيد إحياء صيرورتها مراراً حتى حققت أهدافها, وكما يقال: إن الثورات هي كيانات فوضوية لا يمكن التحكم بها، إلا أن غياب النظرية والاستراتيجية والتأطير وغياب حساب الثورة المضادة والتآمر الخارجي جعل ثورات الربيع العربي بدون قيادة، أو بدون رأس، أو برؤوس كثيرة..! وقد كان هذا خطأً فادحاً وكان سبباً في ضعف تماسك الثوار، وحال دون وضع الرؤى الصائبة نحو تأسيس الجبهة الثورية التي تشمل جميع مكونات الثورة والأطياف الشعبية المشاركة فيها مما أتاح الفرصة لتصارع قوى الثورة ولهذا المطلوب اليوم من كل المهتمين أن يقوموا بمراجعة دقيقة لثورات الشعوب العربية وأن ينظر واليها بعين الحياد ليكتشفوا جوانب الإصابة وجوانب الخطأ وليتعرفوا على مدى الإنجاز الذي قد وصلنا إليه.
وهذا يتطلب تفرغ بعض المفكرين المهتمين بمراجعة الصواب والخطأ في ثورات الشعوب العربية وعلي ضوء ذلك يتم التصحيح.. والله الموفق
محمد سيف عبدالله
ثورات الشعوب العربية بين استمرارها وسرق بريقها 1077