الاثنين الماضي لقي دبلوماسي فرنسي حتفه وجرح آخر في عملية اغتيال آثمة نفذها مجهول بالعاصمة صنعاء وهناك أمر يحيرني ويثير دوماً تساؤلاتي بعد كل عملية اغتيال آثمة يتعرض لها دبلوماسي أو ضابط أمن سياسي أو قائد عسكري في عموم اليمن وفي العاصمة صنعاء على وجه الخصوص وما يثير الحيرة والاستغراب لدي هو أنني قد قرأت في مرات عديدة في صحف ومواقع إخبارية عن إلقاء الأجهزة الأمنية اليمنية القبض على مطلوبين للعدالة ممن تورطوا بتنفيذ بعض هذه الاغتيالات الإجرامية والسؤال الذي يبحث عن إجابة شافية هو: طالما أن الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على بعض ممن نفذوا اغتيالات فلماذا لم تقم بكشف الجهة أو الجهات التي تقف وراء هذه الاغتيالات للرأي العام وتقدم أصحابها للمحاكمة ؟!!
لماذا هذا الإصرار على أن تظل هذه الاغتيالات الآثمة لغزاً غامضاً وتظل الجهات التي تقف وراء عمليات الاغتيال الآثمة والجبانة خلف الستار ووراء الكواليس وتظل مادة للتكهنات والمناكفات السياسية والاتهامات التي لا تستند على دليل واضح يقطع الشك باليقين ؟!.
هل هناك مبررات وأسباب وجيهة تمنع مصارحة الرأي العام بما يحدث ؟!!
وهل الكشف عن هذه المعلومات يضر بالوفاق الوطني ويخرب علمية التسوية السياسية ؟!
ولمصلحة من بقاء هذه الجهات التي تقف وراء هذه الاغتيالات خلف الستار ووراء الكواليس كل هذه الفترة ؟!
هل معرفة الجهة أو الجهات التي تظل تقف وراء هذه الاغتيالات الإجرامية يجب أن سراً لا يطلع عليه سوى رأس السلطة وقلة من القيادات الأمنية ويمثل سر من أسرار الدولة أم أن من حق الشعب معرفة من يهدد حاضره ومستقبله بالوقوف وراء هذا عمليات الاغتيال الآثمة وعمليات التخريب المستمرة لأنابيب النفط والغاز وخطوط الكهرباء؟!
إن الاكتفاء بالقول بأن الذين فقدوا مصالحهم من النظام السابق هم من يقومون بهذه العلميات التخريبية والممارسات الإرهابية لا يعدو كونه اتهام سياسي ويستطيع هؤلاء أن يقولوا لخصومهم: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ؟!.
كما يستطيع هؤلاء الرد على هذه الاتهامات بالقول بأن هذه مجرد اتهامات سياسية تصدر من خصوم من منطلق المناكفات والمزايدات السياسية ليس إلا وسيبدو حديثهم مقنعاً إلى حد كبير خاصة وأن البلد يتعرض لمؤامرات عديدة من جهات خارجية وتنفذ جهات داخلية أجندة خارجية تخريبية تسعى لنيل مصالحها وتصفية خصومها وترى في إحداث الفوضى وخلط الأوراق وزعزعة الأمن والاستقرار وإنهاك الجيش والأمن وإضعاف الدولة فرصة لتنفيذ مخططاتها وأجندتها التي ما كان لها أن تنفذها لو كانت اليمن في وضع مستقر أمنيا والدولة في وضع أقوى .
إن الأجهزة الأمنية اليمنية بعدم كشفها للرأي العام عمن يقف وراء هذه الاغتيالات الآثمة وتقديم الدليل عليه وتقديمه للمحاكمة تركت الباب مفتوحاً لتناولات إعلامية دافعها الخصومة والمكايدات السياسية وكل طرف صار يتهم الآخر دون أن يمتلك أي طرف أدلة حقيقية يقدمها للرأي العام .
ويمكننا القول بأن تنظيم القاعدة ومليشيات الحوثي المسلحة المتمردة وفصيل الحراك الجنوبي المسلح إضافة إلى عائلة الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبعض أنصاره وأدواته هذه الجهات هي من تحاول الاستفادة عمليا وعلى الأرض وبشكل يتجاوز المكايدات والمناكفات التي تطفح بها المطابخ الإعلامية للتيارات السياسية في اليمن.
وسنحاول في هذه السطور التفصيل في كيفية استفادة جماعات العنف المسلحة من حدوث مثل هذه الاغتيالات والفوضى وخلط الأوراق وضرب الأمن والاستقرار واستفادة هذه الجماعات مما يحدث لا يعني اتهامنا لها بقيامها بمثل هذه الجرائم إذ هناك فرق بين من يقوم بجريمة وبين من يستفيد مما يحدث:
1ـ الحوثيون:
يمكننا القول بأن جماعة الحوثي المسلحة المتمردة من أهم الجهات الداخلية التي تنفذ أجندة خارجية تستهدف زعزعة أمن واستقرار اليمن وهي المستفيد الأول إن لم يكن الأوحد من إضعاف الدولة وانشغالها بما يسمى " مكافحة الإرهاب " حتى يتسنى لها التوسع بقوة السلاح في ظل ضعف الدولة وقصورها وفي ظل انشغال الجيش بما يسمى مكافحة الإرهاب واستنزافه بهذه المعركة وعدم قدرته على خوض أكثر من معركة في وقت واحد كما أن إحداث الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن وعرقلة انسياب الخدمات كما في الاعتداء على خطوط نقل الطاقة الكهربائية وعرقلة تدفق الموارد الوطنية كما في الاعتداء على أنابيب النفط والغاز يقوي خطاب جماعة الحوثي المسلحة المتمردة التي تشن حملات إعلامية على الحكومة وتتهمها بالضعف والفشل ويجعل لخطابها مصداقية لدى الرأي العام ليس لأنها البديل المناسب بالعكس الكل يدرك مدى عدميتها وانتهازيتها ولكن التبرم من السياسات الرسمية يهيئ المناخ لثورة شعبية ضد هذه الحكومة التي فشلت أمنياً واقتصادياً وهو ما تسعى إليه جماعة الحوثي التي تريد من الشعب الثورة على هذه السلطة لكي تحقق هي أهدافها وهذه الثورة إن حدثت بفعل عوامل ومطالب اقتصادية كرفع الدعم عن المشتقات النفطية وهو إجراء انتحاري قد تضطر السلطة إليه وفي حال تطبيقه ستقوم ثورة شعبية عارمة ستركب على موجتها هذه الجماعات ومنها جماعة الحوثي في شمال الشمال وستحاول الاستفادة منها وبأكبر قدر حيث ستحاول تقديم نفسها كبديل عن هذه الحكومة التي أنها تحظى بدعم دولي وتأييد شعبي لا بأس به فشلت في تأمين الحاجيات الأساسية للمواطن.
جماعة الحوثي المسلحة لا تعترف بشرعية الدولة اليمنية وتتوسع على حسابها وتسعى لضرب هيبة الدولة وهيبة الجيش والأمن وزعزعة هذه المؤسسات وهي تحاول في ظل هذا الجو الأمني المضطرب في اليمن الإسهام في هذه الفوضى وتغذيتها بوسائل وطرق شتى وذلك لأن بقاء هذه الفوضى وعدم الاستقرار يمكنها من تحقيق أهدافها التخريبية.
2ــ القاعدة:
تتوافق رؤية تنظيم القاعدة مع رؤية جماعة الحوثي المسلحة المتمردة في أنه لا يمكن تحقيق أهداف التنظيم في ظل بقاء هذه السلطة التي يرى أنها عميلة للخارج وصارت مجرد واجهة يمنية لتنفيذ مخططات الخارج وحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى في اليمن ولذا يسعى تنظيم القاعدة عبر خلاياه النائمة وعناصره المنتشرة في أماكن شتى لتقويض سلطة الدولة ما أستطاع إلى ذلك سبيلا وهو يرى بأن تنفيذ مثل هذه الاغتيالات وعمليات التخريب يقوض سلطة الدولة "العميلة " ويضعفها على الأقل وحينها يتمكن التنظيم من تنفيذ أجندته ومخططاته ويتمكن من إقامة دولته المنشودة.
ربما إن الحرب التي تشنها قوات الجيش اليمني على عناصر القاعدة في شبوة وأبين وغيرها تدفع بعناصر القاعدة وخلاياها النائمة للخروج وتنفيذ هجمات انتقامية رداً على هذه الحرب التي يرى التنظيم أنها تشن عليه بأوامر أمريكية وأن الجيش اليمني يقوم بها بالوكالة عن الأمريكان خاصة وأنها جاءت عقب زيارة وزير الدفاع اليمني اللواء الركن- محمد ناصر أحمد وكبار قادة الجيش اليمني لواشنطن والتي استمرت أسبوعين وعاد بها وزير الدفاع اليمني ليدشن الحرب على القاعدة ومع أن الاتهامات التي توجه فورا من الجهات الرسمية للقاعدة فور حدوث عمليات الاغتيال التي تستهدف أجانب وأن كثير من المراقبين يرون أن هذه الاغتيالات التي تطال دبلوماسيين أجانب وقادة عسكريون وضباط أمن سياسي تحمل بصمات تنظيم القاعدة..
إلا أننا لا نستبعد ضلوع جهات أخرى خاصة وأن هناك كما قلنا جهات عديدة تستهدف أمن اليمن واستقراره وترى في حدوث الفوضى في اليمن فرصتها الذهبية لتنفيذ أجندتها وتحقيق مصالحها.
3ــ الحراك المسلح:
لا شك أن الحراك الانفصالي المسلح الذي يقوده الرئيس السابق- علي سالم البيض من أهم هذه الجهات التي تسعى للاستفادة من حدوث الفوضى والاغتيالات وعدم الاستقرار في اليمن وتراخي قبضة الدولة فقادة الحراك الانفصالي الذين رفضوا خيار الفيدرالية والدولة الاتحادية بستة أقاليم واقتنعوا بفك الارتباط اقتنعوا أيضاً أن فك الارتباط لا يمكن أن يحدث في ظل وجود دولة قوية ولديها قدرة على إدارة البلاد بحزم وبسيطرة كاملة على التراب اليمني ولذا يعملون بشكل وبآخر على تقويض الدولة اليمنية ويتعاملون مع مؤسسات الدولة وجيشها على أنها دولة محتلة وجيشها محتل ولذا يقومون بتنفيذ هجمات ضد الجيش في بعض المناطق الجنوبية حيث يشتركون مع القاعدة في رؤيتها وقناعتها بتقويض الدولة أو بالأدق السلطة اليمنية..
وإذا كان التنسيق بينهما أمر غير مؤكد ولكنه أمر وارد ومحتمل فإن الحراك أيضاً يحاول الاستفادة من ضعف سلطة الدولة لبسط سيطرته على الشارع الجنوبي ولبسط سيطرته المؤسسات الرسمية في الجنوب وفي ظل تحالف البيض مع إيران ونيله الدعم منها فإنه يوجه عناصره للتعاون والتنسيق مع مليشيات الحوثي المتمردة ويسعى للاستفادة من حدوث الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن لإقناع الشارع الجنوبي بعدم الجدوى من هذه السلطة وبالثورة عليها واستعادة دولة الجنوب وإجهاض مساعي السلطة لحل القضية الجنوبية والتي حاول الرئيس عبد ربه منصور هادي وهو من أبناء أبين في الجنوب أن يقطع خطوات هامة في هذا الإطار عبر تقديم حلول وتعويضات لأبناء الجنوب وقد هادي أصدر عدة قرارات جمهورية تهدف لتعويضهم ورفع المظالم التي تسبب بها النظام السابق بحق أبناء الجنوب ولابد هنا من الإشارة إلى أن وجود حراك جنوبي مسلح لا يعني أن الحراك الجنوبي كله صار مسلح وأن كل أبناء الحراك يقتنعون برؤية البيض ولكن الحراك فصائل تختلف وتتفق ومنها من لا يزال يرفع مطالب حقوقية بحتة وإن خفت صوت هؤلاء مقارنة بتيار البيض.
عائلة صالح:
الحديث عن محاولة عائلة الرئيس السابق على عبد الله صالح الاستفادة مما يحدث من عمليات اغتيال وتخريب وفوضى أمنية لا يعني اتهامها بتنفيذ هذه العمليات ولا حتى الوقوف وراءها لأننا سنكون قد ناقضنا من تحدثنا عنه سابقاً من أن هذه الاتهامات ينقصها الدليل وتنحو منحى الاتهامات السياسية التي تتخذ طابع المكايدات والمناكفات ولكننا لا يمكن أن نغفل محاولات عائلة الرئيس السابق- علي عبد الله صالح وهو شخصياً من الاستفادة مما يحدث ولو لتأكيد مصداقية خطابه بأن هذه السلطة فاشلة وستقود اليمن نحو الخراب وأن الشعب سيترحم عليه وأن ما حدث من ثورة شعبية أفضت إلى تنحيه عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية كانت مؤامرة تستهدف اليمن حسب قوله..
ولا يعني هذا الحديث تبرئته من المساهمة بإيجاد هذا الجو الأمني المضطرب وخلط الأوراق وزعزعة الأمن والاستقرار إذ يظل دور عائلة صالح وموالون لها في جهات وأجهزة حكومية شتى أمر وارد ولكن ليس بالمؤكد إذا تظل الكرة بملعب الأجهزة اليمنية وهي من بيدها كشف الجهات التي تقف وراء عمليات الاغتيالات التي تطال دبلوماسيون وقادة في الجيش وضباط أمن سياسي وغيرهم وتطال أيضاً أنابيب النفط والغاز وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وكشف هذه الجهات للرأي العام وتقديم الأدلة التي تدينها وتقديمها للمحاكمة وهو وما نراه واجب وطني على عاتق هذه الأجهزة الأمنية ويجب أن تقوم به بشكل عاجل حماية لحاضر اليمن ومستقبلها فهل تفعل؟.
محمد مصطفى العمراني
لغز الاغتيالات والمستفيدون من الفوضى في اليمن ؟! 1835