تناغم لا يحتاج إلى تفسير بقدر ما يستوجبه الإدراك والفهم، فكلما بدأت الدولة تتلمس طريقها قاصدة نجاتها من مألات الوقوع في الفوضى، رأينا بالمقابل اختلاق أزمات ومشكلات أمنية وتموينية وخدمية وحياتية وهي متناسخة كاثرة مقوضة لكل محاولة يراد لها استنهاض الدولة وتقوية وجودها ونفوذها على كامل مجتمعها وإقليمها.
قوى ما قبل الدولة والنظام لا ترغب أن تكون جزءا من العملية السياسية القادمة.. ما يحرزه الجيش اليوم في أبين وشبوة, بدوره سيتمدد في الغد إلى البيضاء ومأرب وصنعاء وسواها من الملاذات الآمنة المتوافرة لجماعات الإرهاب ولعصابات التخريب والخطف والقتل والتهريب. لذا لا أتوقع من هذه القوى القبلية والدينية والعسكرية والتجارية الفاسدة أن ترحب بانتصارات قوة الدولة وأن تقف متفرجة منتظرة المزيد من النتائج المحرزة للجيش والأمن.
لكم أن تلاحظوا مثلا كيف أن بغاة التخريب لأبراج الكهرباء في مأرب وقد عادوا لممارسة فعلهم الدنيء والقذر؟ كيف عادت عصابات الخطف والاغتيال والتهريب والترويج والإشاعة إلى سابق عهدها وبمجرد أن سلطة الدولة أرادت بسط نفوذها وسيطرتها على مناطق صارت مأوى لفرق الإرهاب والتخريب والقتل والخطف؟.
ما نشاهده الآن في محطات الوقود، ومن ضرب لتوصيلات الطاقة، ومن عمليات لاغتيال الضباط والجنود، ومن خطف للأجانب، ومن أخبار مسربة ملفقة, ما هي سوى مشكلات مصطنعة خلفها قوى نافذة مهيمنة جبلت العيش خارج قوانين الدولة وفوق المواطنة والنظام.
المسألة برمتها باتت مكشوفة وعارية تماما، إنها لا تتعلق فقط بجماعات إرهاب وتخريب واغتيال وتهريب تتصدر المشهد، وإنما تتعلق بما هو صانع ومنتج لهذه الجماعات المقاومة لسلطة دولة بشراسة ووقاحة جعلتها مكشوفة عارية دونما ساتر.
نعم.. هنالك ثمة معركة مجترحة في قفار عزان والمحفد، لكن تلكم الجماعات المحاربة لجيش الدولة ليس بأخطر ممن يمدها بإكسير الحياة والاستمرار والنجاة من الموت! فالخطر الحقيقي كامن في الجماعات المتغلغلة في أعماق الدولة الهشة، وفي فعلها العبثي المنهك لاقتصاد البلد وفي أزماتها المفتعلة المفقرة الخانقة لعامة الناس البسطاء الذين لا يكترثون بشيء قدر اهتمامهم بإنارة لا تنقطع في لظى الصيف وبوجود إسطوانة غاز أو ومحطة وقود مزودة لسياراتهم.
الخطر في من يحمل سكينا لذبح الدولة في وريدها ونحرها وقصقصة أجنحتها قبل أن يشتد عودها الغض الوهن الآن، وفي من لا يريد أن تقوم قائمة للدولة بحيث تظل هذه الدولة مجرد هيكل ضخم ينخره فساد القوى المناهضة المحاربة للدولة اليوم والأمس.
فهؤلاء بمقدورهم فعل الكثير ما بقي ذخرهم المال والفقر والجهل، وما بقيت وسيلتهم ناجعة ومجدية مستقطبة مستغلة فاقة وعوز الكثير من الفتيان المراهقين العاطلين الجائعين المحبطين.
ومع طراوة بنيان هذه الدولة مقاربة بصلابة القوى القديمة المستأثرة بها زمناً ستنتصر الدولة وسينتصر جيشها وقوانينها وقواعدها وتقاليدها العصرية المنبثقة من حاجة المجتمع لها أكثر من حاجته لسواها من القوى والقواعد والأعراف القديمة المرهقة له اقتصادياً ومعيشياً وحياتياً وذهنياً ونهضوياً ونفسياً ودينياً وثقافياً وإنسانياً.
محمد علي محسن
دعماً للإرهاب وعلى المكشوف!! 1544