أكبر تحدٍ يواجه الدولة الاتحادية المستقبلية كامن في الدولة المركزية المناط بها سلطة التنفيذ الفعلي لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني ، فدون وجود دولة مركزية قوية نافذة على كامل مجتمعها ومساحتها, ستبقى مضامين الدولة الاتحادية مجرد أدبياتٍ وأهداف ومقررات مكتوبة عُرضة للعرقلة والتسويف والانتقائية والمساومة والمقاومة وحتى الإخفاق والفشل.
فهذه الأشياء لطالما ظلت سبباً مثبطاً لمسيرة الدولة اليمنية في الماضي أو الحاضر الذي مازالت آفاقه المستقبلية يعوزها دولة مركزية قادرة على إزالة الكثير من الموانع الواقفة بدرب الدولة الاتحادية القابلة.
نعم اقتصادنا منهك أو قولوا- إن شئتم- مُفقر ومازال في حاجة ماسة لدعم الأشقاء والأصدقاء ، ونعم هذه الفيدرالية يعوز أقاليمها الستة الكثير من المال والجهد كي تصير هذه الأقاليم واقعاً ممارساً بحكوماتها وبرلماناتها ووزاراتها ومؤسساتها ووظائفها وبنيويتها ومقوماتها التي يستلزمها قرابة الثلاثين مليار دولار وفق تقدير الاقتصاديين .
وبرغم منطقية ما يطرحه خبراء الاقتصاد والإدارة والمال كشرطية وضرورة لإقامة الدولة الاتحادية المتعددة الأقاليم أجد أن المهم محوره كامن في قدرتنا أولاً على إقامة الدولة المركزية الكائنة وبسط نفوذها وسلطانها على كامل سيادتها الوطنية مجتمعا وجغرافية .
فالحديث الآن عن كلفة الدولة المركبة في ظل ضعف وهشاشة الدولة البسيطة المعنية بتنفيذ هذه الدولة الاتحادية المركبة أعدُّه أشبه بوضع العربة قبل الحصان .
فهنالك دولٌ مركزية فقيرة الموارد وكثيفة السكان والعرق والمعتقد ومع ذلك قدر لها الانتقال من الدولة البسيطة المركزية إلى الدولة الاتحادية المركبة وخلال مدة وجيزة لا تتعدى العقدين والثلاثة.
لنأخذ الهند كبلد فقير ومستقل عن بريطانيا عام 1947م فضلاً عن كثافته البشرية وتعدد أثنيته ودينه ولغته وكذا مشكلاته الاقتصادية والمجتمعية والإقليمية الناتجة عن عزلة تاريخية عاشها في كنف الاستعمار والتخلُّف الحضاري والتناحر الأهلي وسواها من الصراعات والحروب والمشكلات الممزقة لنسيج المجتمع الهندي.
وبرغم كل ما كابده هذا البلد من مشكلات سياسية ودينية ومجتمعية تغلب على مشكلاته هذه وطنياً وسيادياً ودولياً ، بل وتعداها إلى بناء الأمة الهندية الواحدة المتصدرة دول العالم نهضة وصناعة وقوة وديمقراطية وثقافة وحضارة.
بالمقابل تأملوا في حالة الدولتين باكستان وبنغلاديش المنسلختين من الدولة الهندية الأم ولاعتبارات دينية وعرقية ؛ فهاهما (الدولتان) غارقتان في فقرهما وتناحرهما وتخلفهما عن الوطن الأم الذي كانا جزءاً من تكوينه الاثني والديني واللغوي المتعدد وإذا بالدولتين تنفصلا أولاً بدعوى الغالبية المسلمة ومن ثم وبُعيد ربع قرن تتشطر دولة المسلمين إلى دولتين وعلى أساس الغالبية العرقية.
في النهاية لا باكستان استقرت وازدهرت بدينها الواحد أو أن بنغلاديش تحررت بتمايزها القومي من ربقة فقرها وتخلفها ، فكلا الدولتين أخفقتا في مجاراة الهند ذات المليار إنسان وأكثر من مائة لغة ودين وعرق.
في الختام يجب أن لا نغفل حقيقة أن المشكلات والأزمات ليست نتاج فيدرالية أو ديانة أو قومية أو جغرافية أو ثروة أو غيرها من المسببات التي يطرحها البعض منا وكأنها مسلمات لا تقبل النقاش وإنما هي نتاج معضلة سياسية وإدارية وقيادية تعاني منها أي دولة غير مستقرة سياسياً.
أعجب حقاً حين أسمع أحدهم قائلاً : مخرجات الحوار تُعد ذبحاً للوحدة ، والدولة الاتحادية ارتكاسة للتوحد ومخالفة للشريعة, كيف ولماذا ؟ لا إجابة منطقية ، لا أحد سيحترم عقلك فيجيبك بعلم ومعرفة كافية لإذعانك ! لم يُقلق هؤلاء فعلهم الضار الموجّه إلى صميم الدولة المعنية بإقامة الدولة المستقبلية الجديدة.
فالإرهاب والتكفير والإقصاء والاستعباد ليس خطراً ، وأزمة الوقود وتخريب الاقتصاد والمنشآت الحيوية الهامة، وتهريب السلاح والديزل، والتقطعات والخطف ووو.. إلخ, فكل هذه الأعمال العبثية المنهكة للدولة وشعبها واقتصادها ووحدتها ليس فيها ما يُقلق ويدعو للخوف والهلع مثلما هو الحال إزاء عملية سياسية يراد بها إنقاذ البلد وأهله.
نعم لا شيء يقلق هؤلاء أكثر من مثول الدولة وسلطانها الذي بمقدوره تجسيد مضامين مؤتمر الحوار ومقرراته الوطنية الحداثية المعوّل عليها نَقْل اليمنيين من ظلم الإقطاع والاضطهاد إلى عدالة دولة المواطنة الكريمة، ومن جبروت وعسف المركز التاريخي الاحتكاري إلى شراكة كافة الفئات والأطراف ، ومن دولة موحدة بالقوة والغصب لم يعد لها وجود في نفوس وعقول المتوحدين إلى دولة اتحادية ديمقراطية جامعة دونما تمييز أو احتكار أو سلب أو إرهاب أو إقصاء أو ضيم أو أو .
محمد علي محسن
مع الرئيس ومن أجل الدولة !! 1668