أكبر خطر يهدد اليمن شعباً ودولة جماعات العنف التي تحمل السلاح لتحقيق مطالبها وتوسيع نفوذها ولا يهمها ثمن فاتورة مغامراتها التي لا يردعها إلا التكتيك والاستعداد لجولات طويلة من الصراع ودوامة العنف.
لكن كيف يتعامل الرئيس عبدربه منصور هادي مع هذه التحديات التي تمثلها جماعات العنف وهي تنظيم القاعدة وخارطة تواجده في الجنوب على الأقل التواجد الميداني وليس الفكري وجماعة الحوثي ومقرها الرئيسي محافظة صعدة الواقعة تحت حكمها بالقوة وبالأمر الواقع مضافا لها الامتداد الجغرافي في عمران وحجه.
في الواقع اتبع الرئيس بصفته رئيسا للدولة استراتيجية تكيل بمكيالين إزاء تعامله مع القاعدة في الجنوب والحوثي في الشمال, بالرغم أن كلا الجماعتين تشتركان على الأقل في نهج العنف وحمل السلاح لفرض أجندتهما ومن ذلك منافسة الدولة في سلطاتها بالسيطرة على مناطق وجعلها خاضعة لحكمها وإدارتها.
لو عدنا قليلا للوراء سنجد أن الرئيس لجأ إلى حملة عسكرية غير مسبوقة لتحرير أبين من سيطرة القاعدة وكان التبرير لذلك أن الدولة لا تقبل لجماعة أو غيرها السيطرة على أي منطقة في البلاد وممارسة سلطاتها خارج إطار القانون, وتكرر الأمر مجددا في الحملة الأخيرة ضد القاعدة في أبين وشبوة وربما سيتكرر في محافظات أخرى كمأرب والبيضاء.
لا يجادل أحد في أن القاعدة تنتهج العنف وتحتل مناطق وهذا يقتضي من الدولة أن تفرض وجودها في هذه المناطق وتستخدم لتحقيق هذا الغرض كافة التدابير والخطوات المناسبة التي تمكنها من أداء واجباتها دون منازعة قوة أخرى لا تستند لأي مشروعية قانونية.
لكن هذا النهج الذي اعتمد خيار القوة العسكرية في مواجهة القاعدة لم يكن هو نفسه الأسلوب المتبع في التعامل مع جماعة الحوثي التي تجاوزت معقلها الرئيسي في صعدة بحكم الواقع إلى مناطق في محافظات مجاورة كحجه وعمران وصولا إلى مناطق في صنعاء عاصمة الحكم.
ورغم أن المواطنين الذين وقعوا تحت بطش الحوثي طالبوا الدولة التدخل لحمايتهم هذا عدا عن اقتراب جماعته من صنعاء والتي وصلت إلى أبوابها إلا أن الرئيس اكتفى بالتفرج وغض الطرف وشنت أجهزة الدولة الرسمية من إعلام ووزارة الدفاع حملة للرد على من يطالب الدولة بالتحرك خلاصتها أن الجيش محايد ولا يتدخل لصالح طرف ضد آخر مع أن حياد الجيش يكون في الصراعات السياسية بين الأحزاب وليس بين جماعة مسلحة ومواطنين أو الدولة نفسها من جهة أخرى كما حصل في عمران عندما واجه الحوثيون قوات الجيش والأمن.
كان الرئيس يفضّل التهديد الكلامي للحوثي عبر اللقاءات المغلقة بينما في الواقع هو يتفرج على مواطنيه ودولته التي تبتلع جزء من مناطقها جماعة مسلحة واُعتبر استدعاء الجيش للقيام بدوره في حفظ سلطات الدولة دعوة للحرب وزجه في أتون صراعات غير مجدية في الوقت الحالي.
مع أن كلمة حياد الجيش لم تكن موجودة في الجنوب ولا أحد يصنف من يدعوه للتدخل هناك ضد القاعدة داعية حرب أو محّرض على العنف يريد توريط الدولة في خطاء تاريخي سيكون له تداعيات مأساوية.
واللافت أن الرئيس كان يتعامل مع تهديد جماعة الحوثي في الشمال بطريقة هادئة أقرب لتعامل شيخ قبلي يلجأ للتحكيم عبر لجان الوساطة التي كان يشكلها ويوفدها لتحج للحوثي تخطب وده وتطلب رضاه مقابل توقيع على اتفاق سرعان ما سينقضه قبل أن يجف حبره في منطقة أخرى وهذا ما كان يتم.
بعيدا عن الموقف من الجماعتين, أليس منطقياً أن نسأل لماذا يتم التعامل معهما بازدواجية مختلفة طالما كانتا مصدر تهديد حقيقي للدولة؟ هذا السؤال مهم جدا لمعرفة كيف يفكر الرئيس وهل للأمر علاقة بحسابات الربح والخسارة سياسيا وتقاطع مصالح الخارج الحاضر الأبرز في معادلة الحكم.
مأرب الورد
ازدواجية المعايير في تعامل الدولة مع جماعات العنف 1256