ما أجمل أن يكون الإنسان لين الجانب, متواضعاً قريباً من أوجاع الناس.
قلّما نجد اليوم من يمتلك مثل هذه الصفات العظيمة, النبيلة, الراقية, والحقيقة أن احتكاكي خلال عملي مع شرائح اجتماعية مختلفة أتاح لي فرصة قراءة هذا الواقع من زاوية أحب أن أرى الناس من خلالها وهي زاوية القيم الإنسانية التي جعلت من الأنبياء والرسال قدوة صالحة يمكن أن تقوم على أساسها مجتمعات عظيمة, ولأني أؤمن أن مجتمعاتنا مهما بلغت درجة حضارته فهو بدون تلك المنظومة لا يساوي شيئاً, فأنا أحاول ما استطعت أن أترجم ذلك عبر ندوات ومحاضرات ودورات تدريبية أبحث من خلالها عن ذلك الخير الكبير الذي تحمله قلوب هذا الجيل الذي ولد على الفطرة لكنهم وجدوا آباءهم على أمة ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) صدق الله العظيم, (الزخرف,23).
من أهم تلك القيم الأخلاقية السامية: التواضع, وهو الخلق الذي اتصف به الأنبياء والرسل, ومن بعدهم الصديقون والصالحون والشهداء, وما يدفعني للحديث عن التواضع وما آل إليه حال الناس اليوم من الكبر وانتقاص حق الضعفاء وآثار ذلك على نسيج العلاقات الاجتماعية التي ينبغي أن تبنى على التواضع واللين والألفة وحسن المعاشرة, ولعل للكبر آثار عظيمة لا يدركها الكثير من الناس على المستوى الفردي أو الخاص, فالكبر يدعو إلى البطرة والكفر, والتعالي على النعم, وتعظيم الذات, ونكران قدرة الواحد الأحد..
كثيرة هي المواقف التي نراها أمامنا والتي تعبر بشكلٍ واضح عن الواقع الأخلاقي الذي أصبحنا نعيشه اليوم بعد إسقاط الكثير من الحقوق والقيم الإنسانية لا سيما في ظل هذا الترف التكنولوجي الذي أنسانا إنسانيتنا وأهلك معالم فطرتنا الأولى وها هي معالم الصورة المثالية للمجتمع الإسلامي الحق تكاد تتلاشى بلا حول منا ولا قوة.
في التواضع خلاص من أغلال السلطة, وراحة من سطوة الاستغلال, وخروج من دائرة الذات إلى مساحة الكل الإنساني, في التواضع رفعة شرف, ومقام تمكين, وارتقاء للحواس الزاهدة, وفي التواضع إنصاف للنفس من بطشها, وهروب من الهوى إلى الهوية, واعتلاء منبر الألفة والتصالح مع الحياة, وفي التواضع يقظة للأحاسيس النائمة على هامش الروح, وانتصار على جوارح الجسد التي لا يلجمها إلا هذا الخلق الرفيع.
وفي التواضع أيضاً وصول للمراد بلا انقياد, وولوج إلى دنيا القناعة بلا زاد, وقراءة لصور الحياة بلا كتاب.
فهل أجمل شعوراً من أن تدنو من ضعيف, أو تشد على يد مسكين, أو تمسح على رأس يتيم, أو تزور قريباً, وتتعهد جاراً مريضاً, أو تجلس إلى حافظٍ وتنهل من معين عالم؟! هل في الحياة ما يعدل مثل هذه الأحاسيس التي لا يأتي بها إلا التواضع والانخراط في حياة الناس والنزول إلى مستوياتهم, لقد كان خلق رسولنا الكريم, أفلا نتخلّق به ونحن أمته؟!..
ألطاف الأهدل
كلمات في التواضع 1288