بين تلك الجبال السوداء الممتدة من صعدة حتى عمران يقبع أطفالٌ ترق لحالهم الأدغال وتدمع لآلمهم الصخور التي يتمترسون خلفها, حيث تسمع نداءات استغاثتهم وضجيج أناتهم ترددها تلك الجبال وتدوي بها الوديان..

ستجد أجسادهم الرطبة وقد تفتت عظمها وأهرق دمها بين تلك الشعاب بعد أن أرغمها جبروت السيد على خوض المعارك بالنيابة عنه وراء سراب الأعداء، حيث أصبح هؤلاء الأطفال بنظر سيدهم عبارة عن وقود لحروبه المفتعلة وقرابين لموت محتوم أجبروا على لقائه، في الوقت الذي يتسكع فيه سيدهم وسط أمواله وبين جواريه.

فهناك في صعدة وبعض المناطق التي يسيطر عليها داء الحوثي ستشاهد طفولة اغتيلت براءتها وانتهك طهرها بسموم الأفكار المتطرفة وثقافة الموت السائدة، التي لا تستطيع معها أن تجد أي معنى للطفولة والحياة.

أطفال سترصدهم في مواطن الحروب كألغام فخخت أجسادهم بشتى وسائل الموت بعد أن فخخت عقولهم بأفكار أجبرتهم على استبدال المدارس بالمتارس وأقلام العلم بزناد البارود.

حقائب المعرفة التي من المفترض ان تحمل كتباً ودفاتر عُبئت بالقنابل والذخيرة لتصبح مصنع خراب ومصدر ظلام بعد أن كانت مصنع بناء ومصدر نور.

نشيد الحب وأغاني السلام هي الأخرى لم يعد لها مقام في تلك المناطق بعد أن بترت أوتارها وأعدمت ألحانها من حناجر الأطفال، بعد أن استبدلت بصرخات الموت المظلمة التي أرغمت عذوبة الحياة على الانحسار تدريجياً وراء جلافتها ومخلفاتها المميتة.

لتصبح الحياة منعدمة هناك وليس لها أي تواجد أو لون أو مذاق بحضور الدم وسيطرة الموت وانتشار روائح الذل والعبودية..