واقعنا الذي يشهد تأزيماً ممنهجاً ومدروساً؛، صرنا على إثره نعيش حرباً مفتوحة استهدفت مصالح الوطن الحيوية، باستهدافها لأبراج الكهرباء، حتى صارت بعض المحافظات- إن لم تكن كلها- تعيش ظلاماً دامساً لأكثر من يومين متواصلين، بالإضافة إلى استهداف أنابيب النفط، وقطع الطرق للحيلولة دون وصول المشتقات النفطية إلى العاصمة وباقي المحافظات التي تشهد أزمة انعدام المشتقات النفطية، كل هذه الأفعال وغيرها تدلل بما لا يدع مجالا للشك أن التأزيم المعاش صار مهنة بعض من دُمرت قيمهم وانحطت أخلاقهم واستشرى جهلهم، جراء مسلسل التجهيل المتعمد، والتدمير الممنهج للقيم، والاستهداف المتواصل للأخلاق، الذي مورس في حق أبناء هذا الوطن خلال العقود الماضية.

 وهذه حقيقة لا مرية فيها ولا جدال، وهو ما يعني أن الثورة لم تكن يوما سببا في هذا التأزيم، ولم يكن هذا التأزيم وليد وضع ما بعد الثورة، برغم إقرارنا بأن الثورة لم تلبِ حتى الآن أمال وتطلعات الشعب الذي خرج ثائرة في فبراير 2011م، وسبب ذلك أن التغيير الجذري الشامل الذي يعد المفهوم الحقيقي لأي ثورة لم يتحقق، لان تحققه يحتاج حلاً ربما شبه كامل للجيش والأمن والجهاز الإداري للدولة، فعناصر التأزيم التي يجب أن يطالها الاستئصال متغلغلة في كل مفصل من مفاصل الدولة سواء العسكرية منها أو المدنية، ومادام التغيير الجذري الذي قد يخرجنا من دوامة الأزمات بات محالاً في ظل الوضع التوافقي الذي يعيشه البلد، فلا بد من تبني إستراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى إعادة تأهيل عناصر التأزيم المتغلغلة داخل أجهزة الدولة، من خلال برامج توعوية تهدف إلى الارتقاء بقيم وأخلاقيات هذا الصنف من الناس، مع ضرورة تفعيل منظومة مكافحة الفساد، وإنعاش أجهزة الضبط والربط الأمنية والقضائية، وإلا فإننا سنبقي في مهب دوامات عصابات التأزيم التي لا ترقب فينا إلاًّ ولا ذمة..