كل يرى نفسه في هذا الشعب حكومة، سائق الموتور حكومة، مديرة المدرسة حكومة، الموظف المرتشي حكومة، وحكومتنا بكل من فيها حكومة.. لدينا مساحة فراغ سياسي كبيرة جداً بالرغم من أن الظاهر على مجتمعنا أنه مجتمع سياسي بالدرجة الأولى، لكن الحقيقة تقول غير ذلك تماماً. أسمع وأرى وأعيش في مجتمع لا يستوعب المعنى الحقيقي لمفردة (سياسة)، فهو يرى هذه المفردة من زاوية ضيقة ويتفاعل معها مثل قرار فردي من الصعب أن تؤمن به جماعة.. يراها مفردة قادمة من بلاد محجوبة، الناس فيها غير الناس، والأرض فيها غير الأرض، يعتقدون بأن الشعب يجب تغييره لصالحها أو تغييرها لصالح الشعب، والمهم أنهم في نهاية المطاف لا يستوعبونها كفطرة وسلوك.
نعم السياسة فطرة لأنه لا أحد من البشر يفتقد لأسلوب الإدارة والتفاوض والإقناع.. كل هذه قواعد تقوم عليها السياسة ولا يمكن أن يولد بدونها إنسان.. هي سلوك لأنها قائمة على السلام والعطاء والاحترام وتقدير فكر الآخر.. وكل هذا قد يوجد نسبياً لدى الناس لكنه أيضاً موجود، فما الذي يجعلنا نبتعد عن ممارسة السياسة بمعناها الأصيل ولماذا نفشل في إسقاطها كسلوك؟! لماذا نرى في السياسة معجماً لا يحوي إلا مفردات الحكم والسلطة والحزب والاقتراع..؟
حلقات نقاشية كثيرة تدور أمامي وأشعر أن أصحابها قد بلغوا درجة عالية من التعصب حتى أصبحوا يعمون عن رؤية فكر الآخر كإنسان، وإنما يرونه ككتلة ناطقة باسم هذا التوجه أو ذاك. الحزب أو الكتلة أو الفصيل كلها سياسات فكرية قولبها أصحابها إلى دساتير مكتوبة، لم تبلغ في قدسيتها ولو بمقدار ذرة قدسية الكتب والألواح والصحف السماوية التي نادت بالسلام والحب والوحدة، فعلى ما الخلاف إذاً؟ على ما الخلاف ونحن من كتب هذا بأيدينا؟ أعتقد أن قصة المسلمين مع الأحزاب تشبه قصة بني إسرائيل مع العجل، صنعوه وعبدوه، ونحن كتبنا دساتير أحزابنا ومواثيقها وصدقنا أنها عقيدة وليست مجرد فكرة اجتماعية، تذكرت طفلة صغيرة كانت تقول لوالدتها (معي وإلا ضدني) على خلفية نقاش ساحقة للأم مع زميلتها في العمل.
ألطاف الأهدل
معي وإلا ضدني..! 1363