كل عام تَدْورُ السنة دورتها المكوكية في هنيهات قلائل, تدورُ وتعيد إلينا شهر رمضان الفضيل راضيا مرضيا بروحانيته العبقة ونسائمه الندية في زمن قياسي نحسبه بمقياس الزمن عام لكنه بعودته سريعا نشعر أن الزمن مجرد ثانية واحدة وليس عاما كاملا.. فكيف وجَدَنا من رحيله حتى اللحظة؟؟؟
عاد إلينا وسيجدنا كما تَرَكَنا بوجوهنا التائهة المغشي عليها من الحسرة والذبول وبنفس بأحوالنا الرثة بل إنها زادت سوءً ومازالت المعيشة ضنكا ولم يتحسن فيها شيء بل زادت سعارا والغلاء مازال ينحت على جلود البسطاء سياطه ويدمي أكبادهم وأحوال الناس تصعب على الكافر, لكنها لم تصعب على حكومتنا اللا رحيمة.
مُثقلٌ هذا البلد بأوجاعه وأوجاع قاطنيه.. مُثقلٌ بركام التعقيدات والمشكلات التي تصر أن تشد من أوارها, وتُعلي من نياحها وزمهريرها.. مُثقلٌ بعدم التصالح مع الذات والنقمة على النفس وعلى الغير مازالت في تصاعد, والنقمة على البلد ما زال يتوسد الوجوه العابرة إلى مجهول نتمنى لو نعرفه.
مرّت أحداث مؤلمة كثيرة منذ أن غادَرَنا رمضان في السنة السابقة وعاد مجددا, وبين الرحيل والعودة تكمن تفاصيل للألم كثيرة ولم نر في هذه التفاصيل سوى وطن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويبدو أنه على مشارف الاحتضار في ظل تزايد لعلعة البنادق وجبروت المتسلطين والنافذين ومن لازالوا يجلسون على تقيحات جروحاتنا بأقدام من لهب واخوه أعداء يقتل كل منهم أخاه بدم بارد بينما يدعون أنهم يعرفون إنسانية الإنسان ويعرفون السلام ولغة الإسلام الحنيف.. فلو كانوا يعرفونه ويخشون نقمة الإله وعقوبته لما كان القتل لهم مثل شربة الماء وأهون كثيرا..
حال رمضان هذا كحال سابقيه من الأسى غير أنه يتفوق عليه بعدد الأحقاد التي تناسلت والطعنات التي توالدت على هذا الوطن وفي خاصرة هذا الشعب المنكوب.
أحداث شتى عبرت على سماء عيوننا, قذفت بنا إلى خانة اليأس من إمكانية تعديل مآسينا ولو حتى قليلا فاقمت من عدم إحساس المواطن البسيط بالأمن والأمان والهوية والوطن.
لَكَمْ نشعر بالخزي والعار كلما جاء هذا الشهر الجليل ونحن مازلنا على هذه الحال من المعاناة والجور والموت السريري في بلد غدونا فيه أشباه أموات.. والمصيبة الكبرى أن كل هذا يحدث ومن في السلطة يغضون عنه الطرف وكأنه لا يعنيهم في شيء وتمر عليهم معاناتنا بردا وسلاما ويزدادون نشوة كلما زادوا فينا دهسا وتنكيلا, لكننا- وبرغم كل شيء- نرحب هطولك علينا يا رمضان كعطر باذخ وكهثيم ماطر ربما تغسل منا ما علق فينا في غبار الوهن والألم ,, فلا ذنب لك يا رمضان في كل ما يفعله السفهاء بنا وكل ما يفعله بنا عديمو الولاء للوطن وللإنسانية والأرض والإنسان..
بوح الحرف:::
شغف البقاء والنقاء يستدعي الصبر الجميل على عثرات الدروب ومواجع المنحنيات والأحلام الشواهق.. فما أحوجنا للتزود بنسائم الأمل لتجتث ما بأعماقنا من غبار الطريق.. فالأمنيات فخ الأوجاع ووتر الحياة المسكونة بهاجس الاستمرارية.. أوتار اليقين لا تدركها إلا تمتمات الأمل.. فالنتفاءل..... لننجــــــــــو..
سمية الفقيه
رمضان..عاد ونحن مثقلون بالأسى.. 1465