يريدوننا إمَّعات تابعة متى أرادوا وكيفما شاءوا!! لن نهتف: "سلام الله على عفاش" فمثل هذا الهتاف الذي نسمعه الآن أعده صراخاً عبثياً ومذلاً ومهيناً لكبرياء شعب ولتضحياته ومعاناته وحتى ثورته المجترحة المسقطة لأعتى وأسوأ نظام فردي عائلي قبلي عسكري .
كأن انطفاء الكهرباء وأزمة المشتقات النفطية خلفهما الرئاسة والحكومة فقط وبمعزل عن القوى النافذة المستحكمة بكل شاردة وواردة ! كأن هذا التخريب والعبث الممنهج وليد عامين ونيف لا نتاج حقبة ثلث قرن ويزيد من حكم فاسد أحال البلد وثروته وتنميته وجيشه ومؤسساته ومقدراته إلى إقطاعيات يشاطرها الأبناء والأصهار والأقارب والأصحاب والاتباع والموالون.
لم اسمع أحداً يحدثك قائلاً : الانطفاء مرده سببين كلاهما في المحصلة نتاج لعجز الدولة عن تطوير وتحديث منظومتها التوليدية للكهرباء وبما يتسق مع تعدادها البشري الذي قارب الـ 30مليوناً, فضلاً عن حاجة هذه الملايين للطاقة وفي مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية والتعليمية والصناعية ووو إلخ .
السبب الأخر أيضاً يتعلق بعجز هذه الدولة عن حماية إمداداتها الناقلة لهذه الطاقة المنتجة الضئيلة والتي لا تضاهي في مجملها طاقة المسجد الحرام في مكة. لست هنا كمن يبرر فشل وإخفاق حكومة الوفاق أو ينافح عن نزاهة الرئاسة وتبرأتها من التهم المنسوبة لها؛ لكنني بكل تأكيد أجدني معنياً بتوضيح حقيقة لا شك فيها أو لبس.
فمشكلات الكهرباء والنفط والتوحد والجيش والإعلام والأحزاب وحتى الحكومة والرئاسة الحاليتين مرجعها جميعاً رئيس لم يكن يوماً رئيساً ولو على العاصمة صنعاء. وعندما انسب مشكلات الحاضر للرئيس السابق, فذاك مرده حكمه المطلق الذي دام ثلث قرن ونيف ومع ما توافرت له من موارد وفرص ومساعدات وهبات وظرفية سياسية مختلفة بددها واهدرها مجتمعه في سبيل ديمومة ملكه وتوريثه وفي إشباع رغباته ونزواته المرضية الفاسدة وفي معاركة المنهكة التي لا تنتهي.
بالطبع الوطن حين يصير مجرد إقطاعية مستملكة من حاكم فاسد مستبد يكون الحديث عن دولة ونظام وثروة نفط وغاز ووحدة وطنية وتعددية سياسية وحرية إعلام ومنجزات عملاقة مجرد أوهام وخرافات لا أساس لها منطقياً وعقلياً وواقعياً.
الإمام احمد وعقب إحباطه لحركة الدستوريين 17شباط 1948م كان قد لجأ لحيلة القطرنة كوسيلة استبيان لمعرفة الموالين من المعارضين لحكمه. وقتها طلب من اليمنيين صبغ وجوههم بزحام القطران بحيث سهل عليه كشف المؤيدين للحركة الدستورية المطيحة بحكم أبيه المتوكل على الله الإمام يحيى وتنصيب عبد الله الوزير على رأس حكم النظام الثوري الذي كان الشاعر الراحل عبد الله البردوني قد وصفه ساخراً بـ" ديمه وقلبنا بابها " .
واقع الحال لا يشيء بسوى تبدل القطران بصورة وهتاف والولاء لحاكم مطلق ثيوقراطي استبدل بولاء لزعيم جمهوري مطلق أوتوقراطي .
إمام كهنوتي فرض العزلة على شعبه ردحاً وفرّط بمناطق شاسعة من بلده كيما يحفظ مُلكه مقابل رئيس أضاع وطناً وشعباً ووحدة طوال ثلث قرن من الزمن. ومع ما بدده من فرص وإمكانيات يريد منا تكرار القطرنة ولو بأسلوب جديد مبتكر لاهج : "سلام الله على عفاش" .
الفارق الذي لم يضعه بالحسبان هو أننا لن نكون نسخة مكررة من أولئك الأغبياء الجهلة الخائفين من بطش" احمد يا جناه". كما لن نكون "طرشان" في بوقة قوى عتيدة بليدة ناصبت الدولة والثورة والوحدة والنظام عداءها وما فتأت مثبطة معرقلة لمسيرة هذه الدولة التي مازالت في طور تشكلها وتكونها.
الرئيس هادي يستلزمه الآن كتيبة من المحاربين الأقوياء المخلصين الشجعان القادرين على خوض معركة بناء الدولة الاتحادية المنشودة وهذه المهمة بالطبع يستوجبها اقتحام أسوار وموانع حصينة لطالما احتمت خلفها القوى القديمة المناهضة اليوم لإقامة دولة المؤسسات والنظام والمواطنة.
الرئيس هادي لا أحسبه بحاجة إلى جيش من الخائفين الضعفاء اللصوص الجهلة الفاسدين الانتهازيين المنافقين المرجفين المقوضين لكل فكرة من شأنها مواجهة التحدي بتحدٍ أكبر, فضلاً عن ذلك هو ليس بحاجة لرئاسة تنظيم بيروقراطي هلامي مثل المؤتمر الشعبي الذي احسبه هو من سيحتاج لرئيس الدولة.
فالمؤتمر في الأصل ليس حزباً سياسياً يمكنه الاستدامة بمعزل عن الحكم وحبله السري الذي مده بكل مقومات البقاء في الحياة السياسية، بل وأكثر من ذلك إذ جعله كائناً طفيلياً لا يستطيع الاعتماد على ذاته وقدراته وبمنأى عن الحكم ونفوذه وامتيازاته المستأثرة لمقدرات الدولة وإمكانياتها.
فهذه كلها صنعت من المؤتمر أكبر ظاهرة مضللة خادعة جاذبة لكثير من الانتهازيين والفاسدين والمنافقين وقليل من الصادقين أيضاً. ما نراه من تمترس اليوم خلف الزعيم لا أظنه دلالة تثبت بان المؤتمر حقيقة ماثلة لا ظاهرة تضخمت وكبرت ومن ثم انفجرت كفقاعة في الهواء.
الواقع أننا إزاء محاولات بائسة لكينونة وإطالة أمد كيان طفيلي يحاول حفظ كينونته وبطريقتين مختلفتين ومن خلال رئيسين وموقعين ونفوذين كلاهما ضرورة لكيان لا قيمة له أو أهمية من دون الاثنين.
أناس كُثر أعدهم ضحية لهؤلاء الذين اعتادوا العيش كطبقة نافذة مهيمنة عابثة وفوق الجميع وخارج النظام والقانون. هذه الفئة المستثمرة لمعاناة اليمنيين ردحاً طويلاً يصعب عليها قبول مسألة المساواة والشراكة والمواطنة والنظام والحكم النزية وسواها من مفردات الدولة المدنية العصرية .
يتوجب على اليمنيين أن لا ينخدعوا بالمظاهر الزائفة بحيث يمايزون بين الحق والباطل، المشكلة والمسببات، ما هو صنيعة عهد صالح ونظامه الذي حكم 33سنة وما هو نتاج إخفاق حكومة أو رئاسة؟. على اليمنيين أن يحددوا خيارهم؛ فإما أن يكونوا مع الدولة الاتحادية بمؤسساتها ونظامها ودستورها وقيمها العصرية والحضارية, وإما أن يعلنوها صراحة ووضوح بحيث يكون انحيازهم للقوى القبلية الطائفية المذهبية المناطقية العسكرية الجهوية الفوضوية التي سبق تجريبها مرات ومرات فكانت النتيجة عزلة وفقراً وجهلاً وكرامة مهدرة وحقاً مسلوباً وعدالة مفقودة وثروة منهوبة مستباحة ومهجاً مزهقة ودماً نازفاً ووو إلخ .
هذه الدولة عنوانها الأبرز الرئيس الانتقالي المتوافق عليه داخلياً وخارجياً. أيا كان موقفنا من كفاءة ونزاهة إدارته الحالية إلا انه ومقارنة بسواه من القوى المناوئة لرئاسته في الحاضر اعتبره الخيار الأوحد والأنسب، فكل الخيارات الأخرى لا تبعث على الاطمئنان أو الثقة .
حين توحدت اليمن عام 90م كانت طاقتها المنتجة من الكهرباء توازي ما تولده ماليزيا آنذاك وبقدرة ألف ميجا. لكن ماليزيا لم تتوقف مثلما توقفت اليمن فخلال عشرين سنة تالية ارتفع توليدها ليصل قبل خمسة أعوام تقريبا 15ألف ميجا, فيما هذه البلاد لم تثبت على الألف ميجا إذ انحدرت لتصل إلى ستمائة ويزيد.
فمحطاتها الثلاث" الحسوة والمخاء ورأس كثيب" لم يطرأ عليها جميعاً أي تطوير أو تحديث، فباستثناء محطة مأرب الغازية الاسعافية التي تم إنشاؤها تحت إلحاح الأزمة الخانقة التي عاشها اليمنيون قبل بضعة أعوام لا توجد سوى محطات مستأجرة من شركات اجنبيه ومن مقاولين محليين .
النفط والغاز كثروة رافدة لخزينة الدولة بنحو 80% من الناتج الوطني لم تسلم هذه الثروة من الإهدار العبثي . كان الإنتاج للنفط بعيد التوحد يربو على الأربعمائة ألف برميل ولا ينقص عن ثلاثمائة وخمسين وفي عهد الزعيم القائد هبط إلى أن وصل إلى ما دون مائتي ألف وما خفي أعظم .
التهريب والسلاح وفساد التعليم والصحة والتنمية والإدارة والأمن والجيش والإعلام والجامعة وغيرها من المظاهر الطافحة في الحاضر لم تكن سوى نتيجة لحقبة سياسية يحسب لها إفساد الحياة عموماً أحزاباً وإعلاماً وتنمية وتعليماً وثقافة وسلوكاً ووظيفة وإدارة وقضاءً وتشريعاً وجامعة وجيشاً ووحدة وتجارة وثروة وعقاراً ونفطاً وديمقراطية وتعددية ووو إلخ.
محمد علي محسن
الموت ولا القطرنة!! 1739