لم تمر أيام قليلة على وفاة زميلنا الخلوق شديد الحياء/ سعيد الشرعبي ـ رحمه الله ـ حتى فجعت بوفاة عمي العزيز الذي عرفته ذلك الرجل القوي، المنيع، الصامت، صاحب القرار النافذ.. حزنت حتى شعرت أنني قريبة جداً من الموت وأنني ربما كنت على القائمة التي يحملها شعبان كشهر تُقطع فيه الآجال وفق حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أخرجه الديلمي وابن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه (ص) قال: (تُقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) صدق رسول الله (ص).
حزنت على أحلامٍ نقضي جل أعمارنا ونحن نحاول تحقيقها وقد يكون الموت على باب أحدنا وهو لا يعلم، يا الله كم هو مؤلم ذلك الشعور الذي يعيشه الموتى حين يسمعون كل ما يدور حولهم دون أن يستطيعوا تحريك أفواههم لإثبات قرار الرفض أو القبول.
وما يؤلم أكثر أننا على علم بهذا المصير المحتم ومع هذا تشغلنا الدنيا بما فيها عن الاستعداد الجيد لهذا اللقاء الإجباري بيننا وبين ملك الموت كمخلوق مأمور يقبض الروح، وأيضاً بيننا وبين الموت كحالة احتضار أو سكرات مؤلمة وغريبة يعيشها البشر بالتفصيل دون أن يستطيعوا وصفها، إنها النهاية التي لا يراها أصحابها حتى تقوم الساعة، الفصل الأخير من حياة نعيشها بين خوف ورجاء، كلاهما يبدأ بكن وينتهي بيكون، فما الذي بين ساعة موت وساعة حياة؟
لا شيء إلا تلك الأسطر التي تحملها صحائفنا، وذلك اليقين الذي يسكن قلوبنا بأن الموت حق كما أن الحياة حق وكلاهما مؤجل، بكتاب ومن جزيل نعم الله علينا أننا لا ننسى الموت، لكننا نستطيع أن ننساه، فالخوف من الموت يسكن قلب كل إنسان يؤمن بالله حق الإيمان ويخاف عقابه وحسابه حق الخوف، لكن هذا الخوف سيكون مدمراً إذا لم يقترن بالعمل الصالح والثقة برحمة الله، مشاغل الحياة لا تمنحنا الفرصة لتذكر الموت لكنها تبعث فينا الشعور بأهمية الإخلاص في إنجاز هذا العمل أو ذاك استعداداً لساعة اللقاء التقييمي مع العدل الذي لا يُظلم عنده أحد.
فما الذي يمكن أن يقوله حي عن ميت؟ أو بشكل أكثر وضوحاً: كيف يمكن لمشاعر حي أن تدرك مشاعر ميت؟.. لو أن كل محتضر استطاع التحدث بما يرى لعرفنا شيئاً عن الموت، لكننا نتحدث عن سوق نقترب منه ولم نصل إليه.
نحن لا نعرف عن الموت إلا أنه نهاية الفصل الأول من حياة الإنسان، فحالة الصمت والذهول التي نقرأها في تفاصيل الاحتضار لا يمكن إدراك مشاهدها الدرامية كما يدركها المحتضر، ولعلها أغرب وأقسى مما نتخيل بكثير، وإلا لماذا يعجز المحتضر عن الكلام وتعيش عيناه حالة الذهول تلك؟
اللهم ارحمنا إذا أسلمنا إليك أرواحنا، وفارقنا إليك أحبابنا، وجعلنا إليك كل أمرنا.
ألطاف الأهدل
بين الموت والحياة كن فيكون 1444