فريضة الزكاة من الفرائض الجامعة للنفع، فنفعها قاصر ومتعدي، أما نفعها القاصر فيكمن فيما ذكره رب العزة والجلال بقوله:( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)التوبة.. فهي تطهير للنفس من الذنوب التي علقت بها، وهي إلى ذلك سبب في نماء المال وزيادة بركته، وبها تتحرر الأنفس من الشح المهلك، وإذا تحرر النفوس من الشح كانت أهلا للتمكين والبناء فالمتحرر من الشح لا يمكنه أن يمد يده إلى الحرام، فقد ثبت أن أحد السلف كان يطوف بالكعبة ويردد اللهم قني شح نفسي فلما سألوه عن سر دعوته هذه قال إذا وٌقيت شح نفسي لم أسرق ولم أقتل، ولنا هنا أن نتخيل مجتمعاً خلا من الشح، بلا شك أنه سيكون مجتمعا مثاليا، ليس فيه مكان لمن ينهب أموال المسلمين بغير وجه حق ولا لمن يتحيل عليهم فينفق أموالهم في غير الوجوه التي حددت لها، والمزكي المبتغي بزكاته وجه الله أوجب الله على نبيه- صلى الله عليه وسلم- في حياته أن يدعو له، أما بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- فهو صاحب حظ عظيم من دعاء المؤمنين.
أما النفع المتعدي للزكاة فيكمن في أن الزكاة تُحي في الأمة قيمة التكافل الاجتماعي التي لو تم إحياؤها في المجتمع ما وجد فقير ولا مسكين ولا غارم ولا متسول يسأل الناس أعطوه أو منعوه، فالزكاة من أهم مصادر الدخل المحققة لاكتفاء أصحاب الحاجات ذاتيا داخل المجتمعات المسلمة، لأنها حق المحتاجين المسلمين في أموال الأغنياء المسلمين بموجب الأمر الإلهي الذي قال فيه رب العزة والجلال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)التوبة) ولو أن المجتمعات الإسلامية أخرجت الزكاة كما ينبغي وبالقدر الذي حدده الله لتصرف في مصارفها الحقيقية التي حددها الله في محكم التنزيل وأستشعر كل مسلم مسؤوليته تجاه المحتاجين لا صبحت الشعوب الإسلامية مستغنية عن إعانات الآخرين، لا تستجدي أحداً، وقد حصل للأمة الاستغناء في غضون سنتين فقط وهي فترة خلافة عمر بن عبدالعزيز حينما رفع شعار: الأفواه الجائعة أولى بالصدقة من بيت الله. فكان حينها المزكي يخرج بزكاة ماله ولا يجد من يقبضها، ففاضت واستغنى المسلمون بأموال إخوانهم المسلمين، فكانت الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
إن الواجب علينا أن نخرج زكاة أموالنا كي نجمع بين نفعين ليجمع الله لنا بين أجرين، أجر كبير مترتب على ما يصدر عنا من نفع متعدٍ، يصل نفعه للأخرين، فمما تقرر عند الفقهاء أن العمل المتعدي نفعه إلى الأخرين أجره أعظم من العمل المقتصر نفعه على صاحبه، والزكاة نفعها قاصر ومتعدٍ.
نجيب أحمد المظفر
الزكاة بين نفعين!! 1339