والله مخطئ من يظن أن دين الإسلام أتى لقوم دون قوم، أو لبلد دون أخرى، أو لفئة من البشر دون سائر الخليقة، والصواب الذي ينبغي أن يعلمه القاصي والداني، العربي والأعجمي، الأبيض والأسود أن قواعد الإسلام وأسسه جاءت لتبين للناس كافة المقاصد العليا من خلقهم، وأنه على الرغم من اختلاف العقائد التي أعطى الإسلام لكل إنسان حريته فيها وفي نفس الوقت حمله تبعات اختياره.. فإن الإسلام شجع الخلق على التعايش والتعارف في نطاق المساحات المشتركة بينهم ، أعني بذلك مساحة الالتقاء الإنساني الذي يغلب عليه طابع المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة. ونظرة إلى آيات القرآن الكريم التي تتعلق بهذا الموضوع وكذلك ما أعلنه الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع.. تجعلك تعلم علم اليقين أن هذا الدين الإسلامي له الكثير من القوة والقدرة في التوجيه بنصوصه القاطعة التي هي وحي من الله تعالى نحو صلاح البشرية بأسرها وتعايشها السلمي بعيدا عن الهمجية التي نراها اليوم في شمال البلاد و جنوبها وبعيداً عن العنصرية التي ربما قتلت شعوباً بكاملها بسبب مذهب أو جماعه ديانتها. ولقد خاطب الله رب العالمين البشر جميعاً بقوله تعالى : " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" والملاحظ في النداء " يأيها الناس" أنه لم يخص به المسلمين أو العرب، ألا يعطينا ذلك مؤشراً للتعايش الإنساني؟ والذي يطلع على خطبة حجة الوداع يلاحظ تكرار النداء من نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال : " يأيها الناس، أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام ، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال : فأي شهر هذا؟, قالوا: شهر حرام ، قال فإن دماءكم وأمولكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهر كم هذا، فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال : اللهم هل بلغت؟". قال بن عباس - رضي الله عنهما -: فو الذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، " فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
إن الدين الإسلامي تفرد بحرمة الاعتداء بغير وجه حق على أي أحد من الناس، قال الله تعالى "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" إلا إذا صدر الاعتداء من الآخر فينبغي على المسلمين أن يردوا هذا الاعتداء" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" كذلك من قمة سماحة الإسلام وحسن تعامله مع الناس جميعا أنه أمر بأداء الأمانات والحقوق وإقامة العدل ولو على المسلمين أنفسهم قال الله تعالى " ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".
إن الإسلام حرم الاعتداء على الآخر بغير وجه حق فما بالك بحق المسلم على أخيه, فقد روى ابن ماجه في سننه عن بن عمر رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف في الكعبة وهو يقول " ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك؛ ماله ودمه وأن يظن به خيراً ".. فاين نحن من هذا القول؟ وأين المسلمون الذين يظلمون ويبغون وقتل بعضهم بعضاً في همجية تفوق همجية الأنعام المستثارة؟!.
ونرجع فنقول: اذا كانت خطبة حجة الوداع تمثل نموذجاً فريداً للتعايش الإنساني وحماية حقوقه, فانه ينبغي على كل من يسفك الدماء في بلادنا المجوس أن يعي بحق ما معنى حقوق الإنسان؟ وكيف يحافظ ويحمي تلك الحقوق في إطار المساواة وعدم الكيل بمكيالين, أم أن الغرب يحمي حق من يريد السباب والشتم والإساءة إلى الله ورسوله فقط بدعوى حرية الفكر؟. إن الغرب يحتاج إلى وقفة مع النفس ليعيد حساباته عن تلك الحقوق التي أسس الإسلام لها منذ بُعث النبي "صلى الله عليه وسلم".
m.d-alayashi@homail.com