من جديد ينجح صانعو الأزمات بإلهائنا عن بناء عقولنا وأرواحنا كما ينبغي. فقد طرق رمضان أبوابنا ونحن في شغل شاغل في البحث عن لقمة عيش تحول بيننا وبين الموت كمداً وجوعاً. أشفقت على حال هذا الشعب في أول أيام رمضان وهو يقف طوابير متواصلة أمام محطات المشتقات النفطية. كثيراً تساءلت في نفسي: هل يوجد بيننا فعلاً من يحترف صناعة الأزمات والتحضير لوصفات سياسية وجرعات اقتصادية خانقة؟ هل يوجد بيننا من يفعل كل ذلك في غفلة كاملة عن أصحاب القرار؟ هل أصبحت الخيانة فناً ؟ وكيف تعجز الدولة عن إيقاف هذه المهزلة التي يذهب ضحيتها الضعفاء والعامة من أبناء الشعب؟ لقد اعتاد الشعب هذا العجز وقلة الحيلة من حكامه لدرجة أن بعض من فيه يكفر بوجود حكومة أو نظام أو دولة أو دستور لهول ما يرى من الإنفلات في معظم أجهزة الدولة ودوائرها. وللأسف فإن من بيننا من لا يجيد الصيد إلا في الماء العكر فعلاً. فهؤلاء المرتزقة والسماسرة الذين يتاجرون بأقوات الناس لم يكونوا ليفعلوا ذلك لولا وجود آخرين على ثغرات الوطن ومصالحه هم من يسهلون لهم مهامهم مقابل أجر زهيد أمام الولاء للوطن. وكالعادة أيضا يتم تغيير المفسدين عبر ترقيتهم من مناصب أدنى إلى مناصب أعلى وأكثر حصانة لهم وللطابور الخامس الذي يقف من خلفهم.. لم يعد لمواسم العطاء والنقاء والفرح ذلك المذاق الذي كان بالأمس. فها هو رمضان يهل علينا ويمد يديه إلينا ولا نستشعر وجوده وكأن قلوبنا أصبحت مغلقة عن كل خير أو عاجزة عن تصديق أي حقيقة. إلى متى يتم إقحام هذا الشعب في قصة الخيانة الشهيرة التي يلعب بطولتها الكبار ويذهب ضحيتها الصغار؟ والى متى تتعامل حكومتنا مع أبناء الوطن وكأنهم أطفال بحاجة لكذبة صغيرة بيضاء ليستطيعوا النوم على أمل بغدٍ أفضل.
سيحاسب الله حكاماً تعاقبوا على رؤوس هذا الشعب ولم يرعوا فيه إلا ولا ذمة. بعضهم غادر الوطن وبعضهم أُغتيل وبعضهم عزل وبعضهم لا زال يفرك عينيه ويتثاءب مكذبا انه حاكم لشعب مثل هذا الشعب الطيب لدرجة السذاجة احياناً. فما الذي تغير على هذه الأرض منذ عقود طويلة؟ لا شي سوى بعض التضاريس التي أصبحت مباعة لأعداء الوطن، وأخرى حاول أبناء الشعب تغيير ملامحها بعد غربة طويلة خارج الوطن وتضاريس أخرى عالجتها البلدان المانحة كمرافق تعليمية أو طبية.. لا شي يفعله الحكام في هذا لوطن سوى توريث الأحقاد وزرع الفتن وجمع الثروات لسلالاتهم التي تعود إلى الحكم ولو بعد حين.