إن التواكل والمماحكة السياسية والحزبية التي نلاحظها في واقعنا المعاش بين النخبة الموكل إليها إدارة البلاد هي السبب في تخلف البلاد وتدهور الاقتصاد والسير بعجلة التنمية إلى الوراء ونلاحظ أن كل حزب يُرجع السبب في ذلك إلى الآخر وهو ما يؤدي إلى ضعف الدولة وفشل الحكومة وضياعها وأي بلد تُدار بهذا الشكل يصبح شعبها56 ضحية المهاترات السياسية الضيقة التي تجلب الأزمات وتؤجج المشاكل لاسيما إذا وُجِدت الأنانية الحزبية التي تريد الهيمنة على مقاليد الأمور لحزب بعينه في إدارة الدولة واستبعاد وإقصاء الآخرين من المشاركة في الحكم وإذا ما أجبرته الجماهير الشعبية على المشاركة السياسية لجأ إلى زعزعة الوضع وإفساد الحياة العامة والخاصة وإرباك الوضع والمكايدة وكيل التهم نحو شريكه الجديد وتحريض المواطنين عليه ولسان حاله يقول أنا أحق بالحكم من غيري وهذا أسلوب مشين وسلوك غير حضاري وعداء للوطن والشعب وليس هذا من صالح الدولة قال تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
فاشتراك القوى الوطنية والحزبية في بناء الدولة وإصلاح الوضع والمجتمع واجب شرعي وسنة اجتماعية وحقيقة تاريخية وسمة حضارية ذلك أن الارتقاء بالأمة وإصلاح المجتمع وبناء حضارة الرحمة للإنسانية يرتكز كل ذلك على الإيمان بان الحضارات لا تشيد إلا بتعاون الجميع في البناء والتنمية والسياسة في الحكم كل ذلك من اجل الوطن وحفاظا عليه لان الإصلاح عملية واسعة تحتاج إلى خبرات ومهارات متعددة وهي تتوزع على أفراد المجتمع فكل فرد فيه ما ليس في غيره وفي غيره ما ليس فيه فلا يقبل العقل أن يقوم الفرد بالاعتزاز بما لديه من إمكانات اعتزازا يصل به إلى تهميش الآخرين والاستغناء عن قدراتهم وإقصاء مواهبهم وملكاتهم تحت زعم عجز هذه الجماعة أو الحزب عن القدرة والعطاء في بناء الدولة فالمعلوم أن كل إنسان لديه من القدرات والمواهب ما يفي بالحاجة ويسد الثغرة ويحقق المصلحة وبذلك تتحقق كل العجائب والأماني والمعجزات التي ينكرها الخصم السياسي فإصلاح الدولة يحتاج إلى تضافر كل الجهود دون استثناء وجمع الطاقات والإمكانات فقد دعى الإسلام إلى التعاون على البر والتقوى وتوظيف جميع الطاقات وحتى من كانت لديه قدرة واعتقد فيها الإفلاس فتوظف قدرته فيما يُسد فيه الحاجة المناسبة قال الشاعر:
الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ
بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ.
فلا يقبل في طريق بناء الدولة إقصاء طاقة فردا أو تهميشها أو تفريغ شخصية صاحبها فقد تكونوا هذه الطاقة اكبر وأوسع وانجح من طاقتك فالكيف والكم مطلوبان في بناء الدول ورقي الحضارات فلا يجوز احتكار إصلاح الدولة من قبل الصفوة أو النخبة أيا كانت للسيطرة عليه ولا يجوز لمجموعة معينة الانفراد بالحكم والاستحواذ عليه دون سواها تحت مزعوم الإصلاح والبناء من قِبَلها وحدها ولابد من إشراك الجميع لتكون المسئولية مشتركة والجهود مكثفة كما انه لا يجوز التأثر بعوامل اليأس والإحباط فعواقبها مدمرة وخطيرة وقاتله للطاقات ومجهضة للمواهب والملكات فَيُصاب الإنسان بخيبة الأمل وانهيار العزيمة وفساد الإرادة وضياع الروح وهي اكبر عائق في طريق التنمية والنهضة الشاملة ولا بد من أن يقدم الجميع المصلحة العامة على المصلحة الخاصة الضيقة فَهَمُّ الأمة ومصالحها يكون هدف الجميع وقد تتفاوت هممهم فأصغرهم همة من يستخدمها في منافعه الخاصة وليس في قضاء المنافع العامة فقد علّمنا التاريخ الإسلامي أن الكثير من رؤساء الأمة الإسلامية كانوا يدوسون منافعهم الخاصة باقدامهم وكل همهم تحقيق المصلحة العامة إرضاء لله في الدنيا والآخرة فهل لرؤسائنا الحالين أن يتأسوا بأسلافهم فيسلكون نفس سلوكهم حتى يكون كل همهم تحقيق مصالح الشعوب على مصالحهم ومصالح أسرهم الخاصة.. ذلك ما نأمله في المستقبل القريب,, وبالله التوفيق.
أحمد محمد نعمان
إصْلَاحُ الدَّوْلَةِ المُجْتَمَعِي وَالسّيَاسِي..وَاجِبُ الجَمِيْع 1114