إلى أين تتجه بوصلة الأحداث في اليمن؟ سؤال فرض نفسه بقوة على المشهد اليمني بعد السقوط المدوي والدراماتيكي لمحافظة عمران في أيدي مسلحي حركة انصار الله الحوثية وسيطرتهم الكاملة على كافة أجهزة ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والخدمية والسياسية في تلك المحافظة.. حيث وأن حدثا كهذا قد كشف عن تزايد احتمالات انهيار الدولة اليمنية وسقوطها في مهاوي الفوضى في ظل موازين القوى التي تتجه لصالح الجماعات المسلحة كجماعة الحوثي التي باتت تسيطر على مناطق واسعة من شمال اليمن وصارت تتمتع بنفوذ أكبر مما تتمتع به الحكومة المركزية في محافظات صعدة وعمران وبعض مناطق حجة وصنعاء.
لقد سقطت عمران كلياً وما كان لذلك أن يحدث لولا فشل الدولة في احتواء الصراع المتفاقم منذ عدة أشهر في هذه المحافظة وكذا تخلي الدولة عند دورها ومسؤولياتها حيال تصاعد موجات العنف والمعطيات العسكرية الحادثة على الأرض وترددها في التعامل مع ذلك الصراع بمنطق الدولة بل إنها من أسهمت في سقوط عمران حينما عمدت إلى اختزال دورها بدور الوسيط بين المتصارعين وحينما لجأت الى دفن الرؤوس في الرمال لتظهر تائهة بين وقف الصراع والزحف الحوثي على محافظة عمران وبين الأحجام عن ذلك بحجة أن الوضع اليمني برمته.. وضع المجتمع والاقتصاد والسلطة والقوى السياسية المنقسمة على نفسها.. والوضع الإقليمي والدولي كل ذلك لا يدفع ولا يساعد على اتخاذ موقف حاسم ينهي قتال المتصارعين لا سيما وان ذلك الاقتتال قد اقترن مع ظهور ملامح الدولة الجديدة التي جرى التوافق عليها في مؤتمر الحوار الوطني وبدء الإعداد لدستور هذه الدولة التي ستتشكل من ستة أقاليم تتمتع باستقلالية مالية وإدارية ومرونة خاصة تزول فيها هيمنة المركز المقدس الذي لم يخرج هو الآخر حتى الآن من طور التشكل.
من الواضح أن مركز القرار في الدولة قد تلقى نصائح من الداخل والخارج بعدم التورط في الصراع الذي شهدته عمران على مدى الأشهر الماضية ولذلك عمدت السلطة وإعلامها إلى الحياد والوقوف على مسافة واحدة من المتصارعين.
ومن الواضح أن السلطة قد خشيت الدخول في مغامرة قد تدفع بها في النهاية إلى المواجهة مع الحوثيين وتكرار التجربة الماضية في الوقت الذي تشعر فيه هذه السلطة بانها صارت غير قادرة على التعايش مع القوة الحوثية المتنامية والمتسعة والتي لم تزدها الحروب الا قوة وقدرة على المقاومة العنيدة .
ومن الجلي أن السلطة لم ترد أن تضيف إلى قائمة معركتها ضد القاعدة في الجنوب معركة أخرى في الشمال ربما تبدو فيها وكأنها تخوض حربا بالإنابة عن التجمع اليمني للإصلاح والقوى النافذة في قبيلة حاشد.
وعلى الأرجح أيضا أن السلطة الحاكمة قد وجدت أن الأميركيين لا يحبذون حربا مع الحوثيين في الظروف الحالية على الأقل لذلك فهم من ينصحون بالتهدئة في الشمال والتركيز على حسم المعركة مع القاعدة أولا ولذلك وجدنا اكثر من تصريح رسمي يفيد أن لا حرب سابعة مع الحوثي ووجدنا أيضا الحوثيين أنفسهم يستبعدون أن تكون هناك حربا سابعة مع الدولة.
لكن ما يبدو اكثر وضوحا أن الرئيس عبدربه منصور هادي بات مدركا أن سلطة الدولة أصبحت تتآكل وتنتقص من أطرافها وانها التي تزداد وهناً وتفقد نفوذها في أجزاء واسعة من البلاد ولذلك فهو الذي لم يستبعد أن يكون ما يجري في اليمن على صلة بما يحصل في العراق وسوريا وتبدو المشكلة الكبرى هنا في أن سقوط محافظة عمران على وجه الخصوص في أيدي الحوثيين يعد حدثا بالغ الأهمية سواء من الناحية الاستراتيجية أو الناحية السياسية ليس فقط لمساحة المحافظة الجغرافية أو لموقعها القريب من العاصمة صنعاء ولكن لكونها تساعد على خلق ممر يربط بين صعدة وصنعاء وصعدة وعدة محافظات أخرى مما يجعل الطريق أمام الحوثيين مفتوحا للدخول إلى العاصمة صنعاء بعد ترتيب أوراقهم في محافظة عمران وإنهاء أي وجود للقوى السياسية والقبلية التي تختلف معهم وكذا امتصاص ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية الغاضبة من اجتياح عمران.
يبدو فعلاً أن الأحداث في المنطقة بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص تسير في اتجاه تفتيت الدول العربية وعلى راسها اليمن وهذا الأمر ليس من باب إشاعة الإحباط أو اليأس في نفوس الناس او الترويج لمثل هذا المشروع المرتبط أصلا بنظرية (الفوضى الخلاقة) التي روجت لها وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس عام2005م وإنما من باب التحليل المنطقي للتطورات التي تجري في منطقتنا وتحديدا منذ انطلاق ثورات الربيع العربي والتي تصب جميعها ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على تقسيم دول المنطقة لكنتونات طائفية ومذهبية وجهوية متحاربة ومتصارعة.
واليوم وبعد انفلات الأمور من عقالها وسقوط محافظة عمران وربما بعدها محافظة الجوف والعاصمة صنعاء يتأكد أن ثمة من يسعى إلى تضخيم الفشل السياسي في إدارة الدولة وتحميل طرف معين لوحده كل ما يجري دونما إشارة إلى أن الجميع مشاركون في صناعة مراثي هذا الفشل الذي يدفع نحو تغييب كل مقومات الدولة وبموجب تقرير بنعمر الأخير أمام مجلس الأمن فلا بد من حل سياسي لمشكلة الصراع المتفجر بين الحوثيين مع من أسماهم المبعوث الأممي بالجماعات المسلحة وهو حل لن يصب قطعا في مصلحة الدولة ولاشك بان تصريحات الجانب الأمريكي والتي دعا فيها الجماعة الحوثية إلى وقف الزحف على العاصمة صنعاء قد وضعت الكثير من النقاط على الحروف حول طبيعة الرؤية الأمريكية للأوضاع في اليمن كما أزالت الكثير من الالتباس عن الموقف الأمريكي من تحركات الحوثيين الذين اصبحوا قوة لا يستهان فيها وليس أمام الدولة سوى الإسراع في حسم موقفها بما يحافظ على ما تبقى من مكونات الدولة بعيدا عن التعويل المتناهي على الحليف الأمريكي لان هذا الحليف لا تهمه في الأخير سوى مصالحه وضمان هذه المصالح سواء من خلال النظام الحالي أو عبر الحوثيين او حتى الشيطان نفسه وعلى الذين يراهنون على الموقف الأمريكي أن يعلموا أن واشنطن لم تكن ذات يوم حليفا مخلصا مع أي نظام أو دولة عربية.
علي ناجي الرعوي
دولة اللادولة !! 1851