الاعتداء التدميري على غزة، لا يقبله إنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه، فما بالك بالإنسان العربي المسلم.. صحيح أن الشعوب العربية متفاعلة مع إخوانهم في غزة ومع كل كوارثهم ومعاناتهم، رغم أن هذا التفاعل بعيد جداً عن التفاعل المطلوب، ولن أتحدث عن الاستغراب في الموقف السلبي من قيل قيادات الدول العربية، ولكن الأشد غرابة أن بعض الزعماء العرب اليوم أقرب لإسرائيل وأكثر تعاطفاً معها, متمنين لها النصر على المقاومة الفلسطينية، بحجج واهية.. لم يكن أحد يتصور أن حالنا سيصل إلى هذه الدرجة من الانحطاط والانبطاح والرخص دون حياء أو خجل أو حساب لمشاعر الشعوب.
الزعيم الراحل/ جمال عبدالناصر رغم اختلافه مع الإخوان المسلمين، ورغم الهزيمة التي حلت بجيشه في عام ٦٧م، إلا انه لا يستطيع احد من خصومه اتهامه بأنه كان سلبياً مع القضية الفلسطينية, أو انه كان يتعامل بحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ويشهد الجميع أن قضية فلسطين كانت قضيته الأولى، وكان يتفاعل مع كل القضايا العربية في مشرق الوطن العربي وفي مغربه، بل إنه كان الملهم والداعم لكل الحركات العربية التحررية من الاستعمار ومن التخلف والكهنوت.. كذلك الرئيس الراحل الشهيد/ صدام حسين كانت مواقفه واضحة وسخاؤه لا أحد يزايد عليه فيه أو ينافسه، ويكفي أنه الزعيم العربي الوحيد الذي وصلت صواريخه إلى قلب تل أبيب، ولذلك تآمر عليه العرب والعجم خدمة لإسرائيل وليس إنقاذاً للشعب العراقي كما يدعون.. ولا ننسى مواقف مشرقة للرئيس الجزائري الراحل/ بومدين، كذلك المواقف البطولية للملك الراحل الشهيد/ فيصل بن عبدالعزيز ، رغم اختلافه السياسي مع الرئيس الراحل/ عبدالناصر, إلا أن هذين الزعيمين الخالدين لم يجعلا من اختلافهما مبرراً للاختلاف حول القضية الفلسطينية، بل كان موقفهما بشأن قضية فلسطين واحداً، وموقفه الخالد في حرب ٧٣ م في عهد الرئيس الراحل السادات لا يجهله احد, فقد كان بطل النصر الأول بالإقدام على إيقاف تصدير النفط لأمريكا ولكل الدول الأوروبية، ودعمه السخي في تمويل الحرب، وكيف كان موقفه حاسماً أثناء زيارة السفير الأمريكي له في الرياض، وأطلق أمنيته أن يصلي بالقدس.. ومن باب الإنصاف فقد كان أيضاً لليمن مواقف مشرفة، أذكر أني حضرت خطاباً للشهيد صلاح خلف أبو اياد, الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك, بعد أن غزت إسرائيل بيروت وأجليت المقاومة الفلسطينية منها بعد مجازر دامية؛ في خطابه الذي كشف فيه تخاذل بعض القادة قال:( أذكر الفقيرين بشرف علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد, فقد كنا نقاوم بالمدافع التي استلمناهم منهما), وأنا اذكر هذا الموقف من باب الأمانة التاريخية بغض النطر عن خلافنا مع الرئيس السابق ، وما نأخذه عليه من أخطاء كبيرة, فأخلاقنا توجب علينا الإنصاف حتى مع خصومنا ومع من نختلف معهم.. وآخر المواقف المشرفة موقف الرئيس المصري المنتخب/ محمد مرسي عندما اعتدت إسرائيل في عهده القصير على غزة, فكان موقفه قوياً ومشرفاً جعل إسرائيل تراجع حساباتها وتوقف العدوان، وربما كان هذا الموقف أحد الأسباب الرئيسة التي أدت للانقلاب عليه.
الحدث الجاري في غزة حالياً مأساته أكبر من الكلمات، فالجرائم في غزة مروعة، أطفال ونساء وشيوخ عجزة تتطاير أشلاؤهم على مرأى ومسمع من العالم كله، وأحياء سكنية بكاملها تسوى بالأرض، ليس أكبر من هذه الجرائم بحق الانسانية وهذه المأساة سوى المواقف الحقيرة لبعض الزعماء العرب الذين لم تعد مواقفهم مخفية في إطار العمالة ولكنها أصبحت علنية في انحيازها لإسرائيل ومشاركتها بالحصار لغزة وتقديم المشورة والدعم الاستخبارية للعدو، من كان يتخيل أننا سنشاهد في يوم من الأيام بعض رموز إعلامها يرفعون الأحذية في قنواتهم للمقاومة الفلسطينية في غزة نصرة لإسرائيل، وأصبح إعلامهم يحرض اليهود للقضاء على المقاومة بكل أحاسيسه ووجدانه، تلك المقاومة التي مواقفها الأسطورية سيخلدها التاريخ رغم التضحيات الجسام وعدم التكافؤ، وتخلى عنهم القريب قبل البعيد، فإلى أي أمة ينتمي هؤلاء الزعماء؟, وهل هم عرب مسلمون؟, أم أن عدونا قد زرعهم لنا من وقت مبكر حتى أوصلهم الى موقع التصدر لقيادة الأمة؟، وهل الأمة العربية ستستمر بالخنوع والجبن لهؤلاء الرؤساء الذين باعوا شرف الأمة وخانوا الأمانة، وأصبحوا يهوداً أكثر من اليهود أنفسهم؟.
أختم كلامي بما سمعته على الهواء مباشرة عبر التلفاز من إحدى الأمهات التي فقدت أبنائها بقولها: (حسبي الله على العرب قبل اليهود).. اللهم إن ما يجري في غزة منكر وظلم عظيم، اللهم فأزله.
محمد مقبل الحميري
عذراً غزة..فالمتصهينون العرب أرادوا قتلك!! 1466