الجرعة السعرية برفع الدعم عن المشتقات النفطية قد تكون مقبولة ولها ما يبررها لو شعرنا بجدية الحكومة بتجفيف منابع الفساد واتباع سياسة تقشفية، وفرض هيبة الدولة بإرساء دعائم الأمن والضرب بيد من حديد على من يفجرون أنابيب النفط، ويضربون أبراج الكهرباء، ويتقطعون للقواطر التي تنقل المشتقات، لكن شيء من هذا لم يتم، بل إن الفساد صار يتجذر أكثر يوما بعد يوم، دون أمل في الإصلاح المالي والإداري، بل إن القرارات العبثية بتعيين وكلاء ووكلاء مساعدين ومسئولين في مختلف المحافظات والمرافق، وسيارات تصرف ومكافئات تغدق، ومستشارين وملحقين بالسفارات يعينون ومستحقات بالعملة الصعبة، رغم التكدس في هذه المسميات، وتقاسمات بين النافذين بمقدرات الوطن، ناهيك عن الأسماء الوهمية في القوات المسلحة التي كان كثيرا ما يحدثنا عنها الأخ وزير الدفاع، فلما آل أمر هذه الأسماء ومستحقاتها اليه لم نعد نسمع منه أي ذكر لها، وكذلك الوهميين في الجهاز الأمني، والوظائف المزدوجة بمختلف القطاعات المدنية والعسكرية.
إن من المخجل أن تبرر الجهات الرسمية رفع الدعم بالخسارة التي تخسرها الدولة جراء تفجير أنابيب النفط، فمما قالته إن الدولة خسرت خلال الأربعة الأشهر الماضية ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف برميل نفط جراء ضرب أنبوب النفط الناقل، وهذا ما استدعى ضرورة رفع الدعم للتعويض عن ذلك، والشيء الأكثر استهتاراً أن يقوم وزير الدفاع بالتبرير للجرعة، وهو على رأس اكبر جهاز في البلاد والمسئول عن حماية سيادة الدولة، ولم يحمي أنبوبا ولا برجا، فكيف سيحمي سيادة وطن، وهو الذي ميزانيته في الباب الأول المرتبات فقط أكثر من خمسمائة مليار سنويا أي أن ميزانية مرتبات جهازه أكثر من كل الأجهزة الأخرى مجتمعة (الأمنية والقضائية والمنية)، كان الأولى بهم منع هذا النزيف والإهدار أولاً..
إن هذه الجرعة التي تأتي في وقت الشعب كله يعاني وبلغ به العناء مداه بدونها فكيف حين تحل به، تأتي والأمور كما ذكرنا من التسيب والفساد والتخريب والترهل، وبهذا فإنها عقاب على شعب الذي تحمل الكثير من اجل الوطن على أمل أن تخرجه الحكومة من محنته، وإذا به يفاجأ بعقاب جديد، يكرس الفساد ويحسن أوضاع المفسدين من قوت الشعب.
لو كنا نشعر بجدية الدولة نحو الإصلاحات وتجفيف منابع الفساد، ووضع حلول للقضايا الأساسية التي ذكرناها آنفاً ولم يبق أمامها سوى اتخاذ مثل هذا الإجراء بتحرير أسعار المشتقات النفطية كضرورة لحفظ الاقتصاد الوطني من الانهيار لكنا اول المؤيدين والمباركين له، لأنه سيصب في نصابه وستستفيد منه الدولة وستصرف عائداته في أماكنها الصحيحة، ولكن هيهات ذلك والفساد يزداد يوما بعد يوم يلتهم المليارات، والشعب يعوض ما ينهبه المفسدون، ولم نلمس وجود للدولة سوى في رفع الأسعار وأذية المواطن وفيما عدا ذلك فهي غائبة تماما،، وفي مثل هذه الحالة الغير سوية لا يسعنا إلا أن نقول" اللهم إن هذه الجرعة منكرٌ فأزله".
محمد مقبل الحميري
الجرعة السعرية قد تكون مقبولة 1315