ليست هي المرة الأولى التي تشن فيها إسرائيل عدواناً عسكرياً غاشماً على أبناء الشعب الفلسطيني, فمثل هذا العدوان يتكرر كل سنتين أو ثلاث سنوات, إلا أن ما يبدو مختلفاً هذه المرة أن الهجوم العسكري على غزة قد جاء دون أن تسبقه ذرائع تستخدمها إسرائيل لتبرير عدوانها الهمجي والسافر على منطقة محصورة وضيقة يعيش فيها ما يقارب المليون ونصف المليون فلسطيني, فإسرائيل هي من خططت للعدوان وهي من خرقت التهدئة وهي من انقلبت على الاتفاقات وهي من استدرجت حركة حماس للحرب في مسعى منها لتحقيق بعض الأهداف السياسية وليس مجرد الرد على اختطاف ثلاثة مستوطنين.
لذلك لم يكن مفاجئاً للكثيرين أن تكون إسرائيل هي من أعلنت عن اختفاء أو اختطاف ثلاثة مستوطنين وهي من قالت إن حماس هي من قامت بخطفهم, رغم أن حماس أو أية جهة فلسطينية لم تعلن مسؤوليتها عن هذه العملية, كما أن إسرائيل هي من وجدت جثث المستوطنين المختفين وهي من كشفت عن مقتلهم وهي من أعدت سلفاً للانتقام لعملية الخطف المفترضة بالعدوان البربري على قطاع غزة لتكن العنصر المسؤول عن تلك المجازر المروعة التي حصدت خلال أقل من أربعة أسابيع أكثر من 2000 شهيد معظمهم من الأطفال وطلاب المدارس والمدنيين الأبرياء وما لا يقل عن10000 جريح, أي بواقع 1% من سكان غزة في وحشية لم تشهدها أي من الحروب السابقة لتسقط هذه الهمجية ورقة التوت الأخيرة عن عورات دعاة حقوق الإنسان في العالم الحر الذين لم يجدوا ما يبررون به تواطؤهم وعجزهم الفاضح عن وقف آلة القتل الهمجية الموغلة في سفك الدم الفلسطيني سوى إصدار بعض البيانات السياسية التي غلب عليها طابع النفاق والتضليل والمواقف الرمادية التي لا تفرق بين القاتل والضحية.
وفي كل الحالات فلا تفسير لكل ذلك الجنون الإسرائيلي والقتل والتدمير الممنهج الذي تجلت مشاهده الدامية على أرض غزة, غير رغبة حكومة نتنياهو المتطرفة في إفساد المصالحة الفلسطينية, باعتبار أن هذه المصالحة هي من تمثل خطراً وتهديداً حقيقياً لمخططات إسرائيل التوسعية ومثل هذا الاستنتاج أكدته تصريحات قادة الاحتلال والتي يفهم منها أن إسرائيل ترفض أي مصالحة فلسطينية أو توافق فلسطيني أو قيام حكومة فلسطينية واحدة وانها من تبذل كل ما في وسعها لإحباط أي جهد لإصلاح وإحياء مؤسسات السلطة الفلسطينية, بل أنها من تدفع باتجاه الإبقاء على الوضع الفلسطيني على ما هو عليه من الوهن والانقسام والتفسخ والاهتراء, فاستمرار هذا الوضع يخدم أهدافها التوسعية والتي تسعى من خلالها للإجهاز على القضية الفلسطينية وشطبها من معادلة الصراع كلياً.
يدرك الفلسطينيون- بمختلف تشكيلاتهم الفصائلية- أن لا خيارات لديهم في هذا الزمن العربي الرديء وأن الرهان الوحيد أمامهم يتمثل في وحدة الموقف وجمع الكلمة والتوافق على استراتيجية وطنية جامعة يخوض من خلالها الجميع معركة الاستقلال والتحرر وقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة. ونعتقد أن هذا الوقت هو اللحظة المناسبة لخوض هذه المعركة.
"الرياض"
علي ناجي الرعوي
العدوان على غزة!! 1504