حين دُعي الرئيس البوليفي خوان إيفو موراليس لزيارة إيران كان أول ما أراد معرفته عن البلد صاحب الدعوة هو حجم قوى اليسار في إيران وماهية نشاطها ووجودها في الحياة السياسية.
هو يعلم سلفاً بأن نظام الملالي الثيوقراطي في جمهورية الإمام "الوكيل لله!" يستحيل أن تتعايش مع فكرة الاشتراكية التي يؤمن بها أول رئيس في تاريخ أمريكا اللاتينية من أصل هندي أحمر.
قطعاً لم يوافق على زيارة بلد لا وجود فيه أو تمثيل لأي من القوى اليسارية التي يتشارك معها فكرة العدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية وغيرها من السمات والمبادئ الجامعة لكل من يؤمن وينتمي لفكر اليسار.
هذه الممانعة ربما عدّها البعض موقفاً متطرفاً راديكاليا لطالما عانت منه قوى اليسار القومية الاشتراكية، ومع هؤلاء الحق إذا ما اعتبروا تصرُّف موراليس غير واقعي فضلاً عن أنه يفتقر إلى المرونة السياسية والبرجماتية باعتبارها جميعها مفاهيم يصعب تجاوزها أو التعدي عليها ولو من دول كبيرة بحجم الصين أو روسيا القوية الغنية ؛ فكيف بدولة فقيرة مثل بوليفيا ؟
فحتى الرئيس الراحل هوجو تشافيز كان مناهضاً لـ"ماما أمريكا" ومَن في فلكها ومع ذلك لم يتورع عن زيادة إيران ولثلاثة عشرة مرة تقريباً ودون أن يسأل أو يكترث لحقيقة أن الاشتراكية في المقام الأول أخلاق ومبادئ ؛ بل وأكثر فلربما طاب له الأمر وأقدم على رمي الشيطان الأكبر " أمريكا" ومن جوار ضريح الامام الخميني الثائر على النظام الملكي السلالي ليقيم بدلاً منه جمهورية الفقيه النقي الصفي السلالي الوكيل الحصري والوحيد لرب السماء الى أن يتجلى الإمام الغائب ويخرج من سرداب غيبته الطويلة!
فالحال أن تشافيز ظل على موقفه المتصلب حيال الهيمنة الامريكية ؛ لكنه وبالمقابل لا مندوحة لديه إذا ما كانت مواقفه منحازة للحكام الطغاة - آخرهم القذافي – ودونما أدنى اعتبار للمجتمعات الفقيرة الكادحة المضطهدة التي بفضلها وصل لسدة الرئاسة ولبلد غني بثروته النفطية والطبيعية، المُفقر بفعل نخبه السياسية الفاسدة المحتكرة للاقتصاد والثروة والاستثمار وحتى الاحزاب والانتخابات وصناديقها التي بقيت أشبه بلعبة عصيّة لا تجيدها سوى فئة قليلة أتقنتها واستحوذت على مفاتيحها حقبة تاريخية.
الفارق بين الرجلين – موراليس وتشافيز – بلا شك مسافة شاسعة ، فموراليس النقابي والبرلماني والمعتقل السياسي انتمى إلى اليسار كفكرة عادلة شاملة جوهرها الأساس تحقيق مبدأ العدالة المجتمعية ومناهضة الاحتكار والتمايز الطبقي, أما تشافيز الجنرال العسكري فكان انضواؤه لليسار كزعيم عربي ديماغوجي جاثم على أكبر ثروة نفطية لا كرئيس صاغته قناعاته الفكرية المستمدة من قراءة عميقة واعية للاشتراكية كفلسفة ونظام هدفه تحقيق المساواة الاجتماعية وتوزيع الثروة على أساس عادل كافل لأن تعيش المجتمعات ولديها حاجتها من متطلبات الحياة الإنسانية.
نعم يسار تشافيز يماثل يسار الكثير من المتطفلين على اليسار ــ وما أكثرهم في أوطاننا العربية !!ــ المسألة هنا لا تقاس بمناهضة أمريكا أو التنديد بجرائم إسرائيل أو حتى إغلاقها سفارتها، وإنما يمكن قياسها بناءً ومنظومةً كاملة من القيم والمبادئ والأسس التي يتمايز بها اليساريون عمّن سواهم من الحركات والأحزاب اليمينية الدينية الرجعية الامبريالية.
ونعم موراليس الهندي الاصيل لا توجد له نسخة مماثلة في أوطاننا التي استبد بها زمناً يسارٌ انتهازي عبثي ثبت بالتجربة انه أقرب إلى مرابع القبيلة والعشيرة منه للأيديولوجيا والحزب، كما ثبت بالبرهان والممارسة بأن أكبر مزايد باسم اليسار يمكنك رؤيته ثائراً منتقماً للحسين يوم عاشوراً في كربلاء أو أنه يؤدي طقوس العادة على ضريح سيدي حسين في صعدة او يتقدم أنه أنصار الله أو جماعة الله ذوداً عن حمى الطائفة والقبيلة والجغرافية، هذا إن لم نقل في موكب الطغاة الفاسدين العابثين.
ختاماً .. أين قوى اليسار من قوى اليمين ؟ أين أفكار ميشيل عفلق وصلاح البيطار من أفكار القانص وسلام ؟ أين قومية البعث الحامل للواء " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " وأين شعاره " وحدة ،حرية ، اشتراكية " ؟ فما يجري في الواقع من تناحر وصراع طائفي عرقي وفي مهد البعث ذاته وبشقيه السوري والعراقي لا صلة له البتة بالبعث وفلسفته ورؤاه .
أين حرية واشتراكية ووحدة التنظيمات الناصرية في واقع المجتمعات العربية ؟ وأين هي أفكار ومعتقدات الناصرية الرافعة لراية الحرية كاملة والاشتراكية أساس بناء لمجتمع الكفاية والعدل والرفاهية وبتوزيع الثروة كشرطية للتغيير المجتمعي وبالوحدة كقاعدة أساسية لقوة الأمة ؟.
أين تقدُّمية وأممية الاشتراكية الماركسية المناهضة تاريخاً لكل أشكال الاضطهاد والاستغلال والتمييز من عنصرية وشوفينية الحوثيين ومناطقية وجهوية الحراكيين وطائفية ومذهبية الإصلاحيين؟ وأين هي مبادئ وقيم الاشتراكية الديمقراطية الحديثة الداعية للحرية والمساواة والتضامن والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترام حكم القانون؟.
وأين هي الاشتراكية كحركة دولية جديدة محدثة حاملة لقيم ومبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والتضامن وهدفها عالم آمن تسوده القيم الأساسية ضامنة للفرد حياة لها معنى كافلة له بتطوير شخصيته ومواهبة وضمن سياق عام من الحقوق الإنسانية والمدنية؟
محمد علي محسن
يسار الهندي موراليس!! 1545