منذ أول أيام تنفيذ القرار الحكومي حول رفع الدعم عن المشتقات النفطية بدأ صراع من نوع جديد بين سائقي باصات الأجرة والركاب الذين لم يستوعبوا بعد جدية القرار الصادر عن الحكومة الأُم التي وقعت على هذه الجرعة وهي في كامل قواها العقلية دون أن تحسب حساب الجياع والمعدمين ومن هم على موعد مع الفقر مدى الحياة.

أحد الذين وصل بهم الهوس بالمال من سائقي الباصات في تعز وبشهادة إحدى الزميلات: أوقف الباص على جانب الطريق وركض خلف الراكب إلى مقر عمله في أول أيام الدوام الرسمي ليحصل على عشرين ريالاً إضافية أقرتها محافظة تعز لتصبح أجرة الراكب سبعون ريالاً فقط في الوقت الذي يتمسك به أصحاب باصات الأجرة بمائة ريال للراكب.

وكأن هؤلاء السائقين هم المتضررون فقط من رفع الدعم عن المشتقات, بينما يبقى المواطن ذو القدمين الحديديتين خارج نطاق الجرعة الحكومية، شخصياً كنت أنفق ما يساوي؛ ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال كمواصلات إلى مقر عملي، والمفروض أن يتضاعف المبلغ في ظل الجرعة الجديدة ليصل إلى ربع المعاش الشهري الذي اعتبره مجرد إسعاف مؤقت تدفعه الحكومة للحيلولة بيننا وبين الموت المحتم، فهل ما نأخذه من معاشات يُسمن أو يغني من جوع؟ بلاش حكاية يُسمن (بضم الياء) لأنها تثير حساسية الحكومة التي تحرص على بقاء الشعب شقياً وخالياً من أمراض السمنة والبدانة، لكن على الأقل معاش يُغني من جوع، يكفينا لدفع إيجار المنزل والإنفاق على مدارس الأطفال وصحتهم ومظهرهم بالمعقول، لا أدري لماذا أشعر أن بين الشعب والحكومة غيرة مدمرة، ثقة مهزوزة، قلة احترام لا يمكن وصفها.. في واقع الأمر لا يشعر فرد من أفراد هذا الشعب أنه يستند لحكومة تحميه وتحفظ حقه إذا تغيرت الأيام وجار الزمن, لهذا تبقى سلطة القبيلة قائمة لا تنام، ويبقى المشايخ وسواهم من المتنفذين والمرتزقة- أبناء أمس الأول- في حالة شد وجذب مع فقراء الشعب وعامته والمتكلين على ربهم لا على سواه.

المواطن يرفض الالتزام بمائة ريال للراكب حتى لا يعتاد سائقو الدبابات على ذلك، والسائقون يتحدون ليبقى هذا المبلغ دون مناقصة، الصراع يحتدم لدرجة التهديد بالسلاح في بعض الأحيان والدولة تكتفي بأن تتفرج، فهي تعجز عن أن تلعب حتى دور الـ "مُفَارِع"!. هذا على أقل تقدير..

المهم يا حكومة الوفاق أنك "خربتيها وجلستي على تلّها"، لكن على الأقل أحسني الذبحة وأعيدي النظر في قراراتك قبل أن يفوت الأوان.