الخطاب الرسمي اليمني خرج عن جادة الصواب وذهب بعيداً بالبلد، فمن كان يصدق أن يصل بنا الأمر لدعوة القبائل اليمنية لحماية صنعاء من الإمامة والكهنوت والتخلف من الطائفية والمذهبية ومن الأمراض الاجتماعية التي عفا عليها الزمن..
ولست هنا بصدد التعريض بالخطاب الإعلام الرسمي أو التشهير به دونما سبب، لكن ما شاهدته بالأمس من خطاب في الإعلام الرسمي اليمني يوحي بأن هناك ضعفاً واهتراء وتفككاً مخيفاً، ويرسم لنا صورة قاتمة عن البلد عموماً، وعن المؤسسة العسكرية اليمنية على وجه الخصوص وعلى نحو غير مسبوق، وكأننا نعيش في غابة موحشة لا مكان لنا نحن البسطاء فيها.. كأننا لسنا في دولة لها جيش وقوات امن و أفراد حماية للمنشآت والأسواق والمنازل و...إلخ..
شيء لا يعقل أن يتم التعمية والتمويه ومحاولة إيهام الناس أن اليمن ليس له جيش ولا يمتلك القوة الكافية لتمريغ أنف كل من تسول له نفسه العبث بأمن وسلامة الوطن، وبهذا الأسلوب المبتذل والمسفّه..
وأظن أن الصورة والمشهد غير ما نسمع ونعرف، وأن هناك اتجاهاً مقصوداً لتحطيم معنويات الجيش والأمن ووصمه بالضعف والخور، وإن كانت الحقيقة غير ذلك.. وفي اعتقادي أنا شخصياً أن المؤسسة العسكرية اليمنية ربما تكون المؤسسة الوحيدة في هذا البلد التي كانت وما تزال الأفضل قياساً ببقية مؤسسات الدولة اليمنية المنهارة، وتبدو لي حقيقة أنها الأكثر قدرة على حماية الوطن والذود عن حياضه، وهي وحدها القادرة على الحفاظ على مقدرات وخيرات اليمن شماله وجنوبه، شرقه وغربه دون استثناء.. فقط، لو توفرت الإرادة السياسية، أقول: لو أرادت القيادة السياسية أن تظل هذه المؤسسة كما عهدناها منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م لكان حالنا أفضل وأرحم مما نحن فيه، فحتى فترة قريبة جداً كنا نظن الخير في هذه المؤسسة وهي كذلك إن شاء الله، وأكرر لولا الله ثم وجود هذه المؤسسة العسكرية الرائدة، وعلى الرغم من كل ما طالها من تفتيت وتفكيك وتهميش ومؤامرات حيكت ضدها ودسائس لكان اليمن قد تفكك واحترب ومن سنوات طوال.. حاولت بعض القوى الإيقاع بالمؤسسة العسكرية سواء قبل قيام الوحدة أو بعد الوحدة، وعلى رأس تلك القوى قوى الإمامة والكهنوت والإرهاب، وأخرى مريضة نالت من الوطن اليمني بشطريه، وحققت الشيء الكثير.. لكن قدرة الله فوق تدبير البشر، ويكفينا نحن أبناء اليمن أننا توحدنا واختلفنا كثيراً لكن لم يصل بنا الحال إلى المزايدة على المؤسسة العسكرية التي لم تكن ولن تكون ملكاً لأحدٍ من الناس أو لفئة دون أخرى.. صحيح حاول البعض تحويل الجيش والمؤسسة العسكرية إلى إقطاعية أو ملكية خاصة وفي فترات عديدة من تاريخ اليمن الحديث، لكن ولله الحمد لم تستطع كل تلك القوى وبما امتلكت من نفوذ وقوة أن تسيطر على تلك المؤسسة، ولهذا ليس مقبولا ولا مستحبا أن يقوم البعض اليوم بمحاولة الإيحاء بأن الجيش ضعيف وغير قادر على حماية الوطن والمواطن وانه صار مفككا وهزيلاً.. لا يا هؤلاء صحيح أن من يحمي طفل مران وتابعيه هم ضباط وقادة من جيشنا الوطني، لكننا نحن السبب، القيادة هي السبب، هي من أضعف الجندي والضابط، فالحاجة دفعت بالبعض ليكون تابعا للمال لمن يموله، لمن يقدم له المال ليعيش.. والدليل أن من يرفعون شعار السيد من جنود وضباط اللواء التاسع فوق بنادقهم في عمران هم من أبناء القوات المسلحة، وكما هو حال بعض القيادات المدنية التي انضمت للعصابات الحوثية كونها لم تجد نفسها إلا في ذلك الحضن الدافئ الممتلئ بكل الملذات من منصب ومال وثروة ومكانة اجتماعية كانت بعيدة عنها بل حلما يراودها ولعقود..
إن ما يحدث اليوم وبصريح العبارة هو انتقام من الجيش اليمني وعبر أدوات وعناصر كانت مكبوتة وطيلة عقود خلت، حتى الأسماء والألقاب لم يكن البعض يجرؤ التصريح بها خشية التعريض به اليوم تغير الزمن.. وتبدلت القيم، وإلا كيف لوزير دفاع دولة محترمة أن يجتمع بقيادات إرهابية وعنصرية وتظهر صوره وعبر الإعلام الرسمي والحزبي والأهلي، ثم يخرج علينا وعبر تلك الوسائل يحذر من المليشيات المسلحة ويتكلم عن حصار صنعاء وعن الجمهورية والثورة، ثم متى كانت الثورة والجمهورية سلعة للبيع والشراء والمزايدة والابتذال، وكما هو حال بعض قيادات جيشنا الجمهوري.. أن من يقوم بحماية عمران وصعدة والنيل منهما هم عسكريون من الجيش، فقط، ضاعف لهم رأس الإرهاب العطايا والمنح فأطاعوه وزاد لهم من المنح فسجدوا له من دون الله.. والسؤال الذي يفترض أن يكون هو كيف يؤدي الجندي التابع للحوثي عمله بحرفية ومهنية عالية، وصدق وإخلاص، بينما الجندي في الجيش لا يقوى على ذلك؟
الإجابة بكل تأكيد هي: أن مخصصات الجندي في الجيش اليمني تذهب لجيوب القادة، بينما الأموال الإيرانية المخصصة للمقاتل في جيش عبده حوثي تذهب له، بالإضافة إلى الراتب الحكومي الذي يُصرف له من خزينة الدولة، من ضرائب وواجبات الدولة، من عائدات الوطن، فيما يخدم هو أشخاص وأفراد ومليشيات خارجة على الوطن..
سيادة الرئيس:
إما أن تكون رئيسا لكل اليمنيين وتقيل الفاسدين والملوثين من وزراء وقادة عسكريين لصوص ومتآمرين أو فلتعلم أن من كان قبلك كانت تخضع له القوى المدنية والعسكرية، وحتى الإرهابية كانت تخشاه، وعندما لم يستمع للنصح ذهب إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه على الرغم من إنجازاته المشهودة..
نتساءل هنا كما غيرنا: لماذا يراد إقصاء الجيش والمؤسسة العسكرية عن المشاركة بفاعلية في حماية الوطن ومقدراته ومكتسباته والدفاع عن أراضيه وحماية مواطنيه، ما الهدف من إضعاف الجيش اليمني وتحطيم معنوياته ووصمه بالتفكك والضعف والهزال؟!
ما الغاية من تعزيز دور المليشيات المسلحة على حساب الجيش، أم أن المليشيات المسلحة باتت موضة العصر وكما هو الحال في العراق ولبنان وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان العربية، التي تسعى دول إقليمية ودولية إلى تقسيمها وتفكيك جيوشها للوصول لأهداف وأجندة مخطط لها لا تخدم سوى مصالحها..؟!
السادة رعاة المبادرة الخليجية :
لقد تفاءلنا نحن اليمنيون خيراً بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وتفاءلنا خيراً بمخرجاته التي تنص في بعض بنودها على نزع أسلحة المليشيات أياً كانت ودون استثناء، لكن ما حدث يوحي بأن مؤتمر الحوار كان أكبر خدعة وصفعة قوية وجهت لليمنيين ومن أطرافٍ عدة إقليمية ودولية، لأن ما يحدث اليوم من تجاوزات وتسليح لمليشيات خارجة عن النظام والقانون تمارس الإرهاب بكل أنواعه، وتسعى حثيثة للسيطرة والاستيلاء على مدن ومحافظات عديدة وتمتلك أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة جزء كبير من هذه الأسلحة كان ملكاً للدولة..
كل هذا وغيره لا يشير إلا إلى نتيجة واحدة وهي سقوط الدولة وتسليمها على طبق من ذهب للمليشيات..
عبدالباسط الشميري
الانتقام من الجيش اليمني بالمليشيات! 1383