"الأغذية، نباتية كانت أو حيوانية.. بحالتها الطبيعية كانت أو بعد معاملتها معاملات خاصة للتصنيع، معرضة للفساد بفعل الكثير من الميكروبات التي تعجز أعيننا عن رؤيتها، فأين تكون هذه الأحياء الدقيقة وما هو أثرها وكيف تحول غذاءنا الصحي إلى طعام غير مقبول"؟.
إن الكثير من المنتجات النباتية والحيوانية التي نستعملها غذاءً أو شراباً هي في نفس الوقت غذاءٌ ممتعٌ لكثير من الأحياء الدقيقة التي تكون عادة بهذه الأغذية ولا تراها عيوننا المجردة، بل نرى لها أثاراً قد تكون على الطعم وقد تكون على الرائحة، وقد تكون على اللون والقوام، فما كان لنا غذاء شهي أصبح بعد نمو وتكاثر تلك الكائنات فيه طعاماً غير مقبول.. غير مستغنين لطعمه.. كارهين لرائحته.. غير تواقين لمظهره، وقد يصبح الطعام في وجود تلك الميكروبات داء ممرضاً أو سماً قاتلاً، فنلقى بقوتنا في سلال القمامة، مستسلمين لتلك الميكروبات، والميكروبات التي تحدث الفساد تكون مصادرها عادة التربة أو الهواء أو الماء، فمحاصيل ثمار الفاكهة والخضروات التي تتكون طبيعياً فوق سطح الأرض تكون ملوثة عادة بميكروبات الهواء، زيادة على تلوثها في أثناء العمليات المختلفة ببعض ميكروبات التربة.
وهناك محاصيل أخرى مثل البطاط والفجل والجزر والبنجر والبصل وغيرها تنمو تحت سطح التربة أو ملامسة لها ويعلق بها كميات من الطين عند جمعها تكون عادة ملوثة بميكروبات التربة.
كذلك فإن ماء الري في الأراضي الزراعية يكون مصدر تلوث للمحاصيل الزراعية والنامي قريباً من سطح التربة.
يتلاءم نشاط كثير من الميكروبات مع ارتفاع نسبة الماء والرطوبة في الأنسجة النباتية والحيوانية، وارتفاع حرارة ورطوبة الجو ولهذا فإن خفض درجات الحرارة والرطوبة يؤدي إلى تقليل تعرض الأغذية للتلف، ولهذا يراعي تخزين الكثير من المحاصيل الزراعية وخاصة الفواكه في ثلاجات، وهناك ميكروبات تعيش داخل أجسام بعض الحشرات أو على سطحها، وتقوم تلك الحشرات بنقل ما تحمله من ميكروبات من مكان إلى آخر، وكثيراً ما تضع الحشرة حمولتها الميكروبية على الكثير من الأغذية النباتية أو الحيوانية، وقد تضع الحشرة بيضها، فيفقس البيض وتخرج اليرقات وتتغذى على الأنسجة النباتية أو الحيوانية..
إن بعض الميكروبات المهاجمة للغذاء تتعدى في آثارها الضارة علينا إلى حد إتلاف الغذاء، فقد تحدث زيادة عن تلك الخسائر المادية ضرراً خطيراً بأكلها، فتمرضهم وقد تقتلهم، إذ أن البعض من الفقراء أو ممن يجهلون تلك الميكروبات وأضرارها قد يأكلون ما اشتروه أو صنعوه من غذاء أو شراب وتصاب ثمار الفاكهة ومحاصيل الخضروات عادة بأنواع من الفطريات التي تنموا على هذه الأغذية ومنتجاتها وتنتج مواد ضارة أو سامة للإنسان، وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن الكثير من السموم الفطرية تعتبر من المواد المحدثة للسرطان في كبد الإنسان.
ولم يقف العلم مكتوف اليدين أمام هذا الهجوم الكاسح من الميكروبات بل توصل إلى طرق عديدة لمنعها والحد من أضرارها، وتختلف الطرق المتبعة للوقاية حسب نوع الغذاء المراد حمايته، وحسب الغرض من استعماله، وحسب درجة التلوث، وتعتمد طرق حماية الغذاء على عاملين أساسيين:
أول هذين العاملين: يعتمد على قتل الميكروبات الملوثة للغذاء، أو الإقلال منها أو منع وصول ميكروبات جديدة إليه، ومن ذلك تعقيم المواد الغذائية بالحرارة المرتفعة، أو إضافة بعض الكيمياويات إلى الأغذية بغرض قتل ما بها من ميكروبات، أو إيقاف تلك الميكروبات ومنع نمو أية ميكروبات جديدة..
ثاني هذين العاملين: يعتمد على حفظ الأغذية بطريقة لا تتلاءم مع النشاط الميكروبي، كالتجفيف أو بزيادة تركيز السكر كما في عمل المربيات أو بزيادة تركيز الأملاح كما في صناعة المخللات وتمليح الأسماك واستخدام الأشعة في تعقيم المواد الغذائية صناعياً مما بها من ميكروبات وحتى الآن لم تظهر أية آثار ضارة على المستهلكين لتناول الأغذية المعامل بالإشعاعات، إلا أن الكثير من تلك الأغذية تحدث بها تغييرات غير مرغوبة في الطعم أو اللون أو الرائحة أو الخواص الطبيعية للغذاء.
د.عبدالسلام الصلوي
الصيف والميكروبات وفساد الأغذية 1482