نزلت أول آية من كتاب الله تعالى معلنة القراءة الفريضة الأولى في الإسلام، آمرة بها مؤكدة عليها، قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} سورة العلق وفي الخمس الآيات الأولى نزولا من كتاب الله عز وجل تكرر الأمر بالقراءة مرتين، قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} سورة العلق.
ويؤكد فتحي يونس، أن الأمر بالقراءة لم يذكر معه مفعول به بل ترك الأمر مفتوحا، في إشارة مهمة إلى اتساع مفهوم القراءة وتنوع مجالاتها، ويوضح محمد المخلافي معالم المفهوم الإسلامي للقراءة في ثلاثة جوانب، يركز الجانب الأول: على أهمية التفكير، ويجعله جزءاً أساسياً في عملية القراءة، سواءً أكان مقوداً بعلامات لغوية (نص مكتوب كما هو شائع)، أو مقوداً بعلامات حسية، كالاستدلال على عظمة الله تعالى من بديع صنعه في مخلوقاته، ويؤكد الجانب الثاني: القراءة الهادفة النبيلة، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} سورة العلق. والذي يجعل من القراءة عبادة نتعبد بها الله تعالى، وأداة نفع للأمة بتسخير المعارف والمعلومات في خدمتها ورفع هيبتها، أما الجانب الثالث: فيؤكد ضرورة التفاعل الإيجابي مع المقرر، وبتمثله ممارسة في أعمال للإنسان وسلوكياته، فلقد كان الصحابة لا يتجاوزن الخمس الآيات، أو العشر من القرآن الكريم، حتى يعلموا ما فيها من علم وعمل، ولقد أنتقد القرآن الكريم، على بني إسرائيل لعدم تفهم وتطبيقهم، قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، سورة الجمعة.
ويؤكد مدكور أن عملية القراءة تتضمن عمليتين متصلتين، أولاهما: عملية فسيولوجية، هي: الاستجابة الحسية العضوية لما هو مكتوب، وثانيتهما: عملية عقلية لتفسير معانيه، والمتمثلة في التفكير والاستنتاج.
ويرى شحاتة أن القراءة من أعقد الأنشطة العقلية التي تتطلب التفكير، وتوقع المعاني التي ترمز الكلمات إليها، وهي أشبه ما تكون بحل المشكلات، واستنباط الفروض، والتحقق من الاستنتاجات. إنها تتضمن كل أنواع التفكير من تقويم، وإصدار الأحكام، وتخيل، واستنتاج، وحل للمشكلات..
وتعتبر القراءة الأداة الأساسية للدراسة والتحصيل وتنمية الفكر وبناء الشخصية، وما عدا القراءة من وسائل إن هي إلا وسائل مساعدة، حتى إن هذه الوسائل لن تكون ذات فاعلية إلا إذا بنيت على أساس من الإتقان الجيد لمهارات القراءة؛ ؛ حيث "أثبتت كثير من البحوث أن فشل المدرسة الابتدائية في تعليم القراءة يعتبر فشلا في أخطر مهمة من مهامها".
ويمثل الفهم لب عملية القراءة وجوهرها، والهدف الأساسي منها، وهو يمثل هدفا لغويا تعليميا باعتباره الغاية المنشودة من عملية القراءة، وبدونه تغدو القراءة عديمة الجدوى، وتفقد قيمتها وتصبح عملية آلية لا تنقل إلى القارئ أفكار الكاتب ومعانيه فلا ميزة لأي نشاط إنساني ما لم يكن قائماً على الفهم؛ لذلك فإن غاية تعلم اللغة هي إعداد متعلم قارئ فاهم؛ أي أن الفهم هو العنصر الرئيسي في تعلم اللغة، فالطالب يسرع في القراءتين الجهرية والصامتة إذا كان يفهم معنى المقروء ويعثر بل يتوقف – إذا جهل معنى ما يقرأ فالفهم يعين القارئ على الإدراك الصحيح لما ينطوي عليه المقروء من معان ظاهرة أو خفية، ولذا فإنه يتطلب من القائمين على تعليم اللغة التركيز على تنمية مستوياته ومهاراته أثناء تعليمهم اللغة.
د. محمد عبدالله الحاوري
أهمية القراءة والفهم القرائي 1887