في الحرب الكونية الثانية كان الشعب المصري في الأغلب متعاطفاً مع الألمان بينما ملكهم "فاروق" كان معروفا أنه مع الإيطاليين وذلك بحكم نشأة أبيه الإيطالية وكذا صداقته- وحتى حاشية بلاطه التي يوجد بها عدد من الإيطاليين- أما الحكومة المصرية فكانت وقتئذ مع الإنكليز الذين فرضوها على الملك والشعب.
وإزاء حالة عجيبة غريبة شاذة كتلك كان لعامة المصريين تداول نكتة ساخرة لاذعة أطلقها الراحل" أحمد زيوار باشا" في معرض إجابته على سؤال أراد صاحبه منه معرفة رأي أحمد باشا في الحالة المصرية السائدة وقتها فلم يكن من الأخير سوى الإجابة وبتساؤل ساخط فاضح مبكي مضحك: حالة إيه يا عزيزي؟ شعب مصر ألماني.. وملك مصر طلياني.. وحكومة مصر إنجليزية!.
هذه النكتة أوردها أمير الصحافة المصرية الكاتب الراحل /محمد التابعي - مؤسس وناشر مجلة "آخر ساعة" و" أخبار اليوم" المصرية التي أصدرها عام 1934م وآلت ملكيتها بعدئذ للأخوين علي ومصطفى أمين – ضمن سياق مذكراته المنشورة بعد ثلاثة عقود تقريبا على وفاته.
أما ما جعلني استحضرها الآن فذاك مرده الحالة الراهنة المتعددة في تبعية أطراف العملية السياسية المعول عليها قيادة البلد وناسه وفي مرحلة خطرة وشائكة واستثنائية كهذه التي نشاهد فيها الحكومة واد والرئاسة في واد آخر فيما الشعب لا يعلم أين اهتمامه من الحكومة أو أين مصلحته من الرئاسة؟.
نعم.. خلطة من الأقطاب المختلفة المتنافرة المتناقضة والمتوافقة أيضاً.. ولاءات ومرجعيات وشعارات كاثرة ما فتأت تلقي بظلها على مجمل الحالة اليمنية المستنزفة في جبهات حزبية جهوية طائفية مذهبية شخصية وقليل منها ثورية وأيديولوجية.
سعودية قطرية إماراتية تركية إيرانية أميركية بريطانية، نظام قديم وجديد وثوري ورجعي، مشايخ وأشياخ ودعاة ومصلحون وتجار ومهربون ومخربون وهكذا دواليك من المسميات ومن التبعية للداخل والخارج.
حالة أجدها أغرب وأسوأ من حالة المحروسة في كنف استعمارين ملكي سلالي مغتصب لحق لا يملكه وانكليزي استعماري محتل وطامع؛ ومع كونها كذلك ما زلت حائرا متسائلا عما كانت الحالة تستوجب الضحك أم البكاء؟.
اليوم مليونية التائهين الوجلين الغوغائيين الحاملين لراية إسقاط الحكومة وجرعتها ولو استدعى الأمر من حشودها الاصطفاف خلف قائد يدعي باصطفائية ونقاء وتمايز عنصري مقيت فضلا بكونه وريثا شرعيا لقيادة المسيرة القرآنية؟ أم أوجه لومي لمناوئيهم الخائفين المذعورين من تمدد شيعي رافضي ولو اقتضاهم نحر وطنهم وشعبهم ثانية وثالثة قربانا لطائفتهم المخلصة المؤمنة المتمايزة عن سواها من الطوائف والفرق الضالة؟.
حقا.. يعينك الله أيها الشعب التائه الحائر الصابر والجائر أيضا، كما وكان الله بعونك يا رئيس هادي فما من معركة وجبهة أسوأ من رئاسة هي في مرمى سهام القوى المتحاربة المتناحرة الممانعة الفاسدة المعرقلة المتوافقة الرافضة لكل أشكال التمدن والتحضر والدمقرطة والأنسنة؟.
محمد علي محسن
ملك طلياني وشعب ألماني وحكومة إنكليزية!! 1581