متشدقون بالحياة حتى الرمق الأخير، تدفعهم الفطرة في أحشائهم إلى البحث عن لقمة الخبز المنكهة بالشبع، فما في أيديهم لا يكاد يكفي لإشباع القطط المتجولة من حولهم هنا وهناك. يمضون على أعيننا كل يوم دون أن تتحرك فينا دهشة السؤال: إلى أين يمضي هؤلاء وكيف يمكنهم إشباع بطونهم ولم يمتلكوا بعد أي حرفة؟ كيف يمكن أن تُنجز أيديهم الصغيرة عملاً لا تستطيع إنجازه أيدي الكبار النامية في بركة السن والخبرة؟ أطفال عُراة من معالم الطفولة اللهم إلا أحجامهم المتدحرجة على سُلَّم الأيام. صغار لم يتذوقوا طعم البراءة، لم يتعرفوا على ألوان الرفاهية ولم يسمعوا قبل اليوم عن المرح.. أطفال ينجزن أعمالاً كانت لرجالٍ ثم تولَّوا عنها إلى الدعة والكسل شاكين البطالة وقلة الدخل. وبينما يعمل طفل ينام رجل! أجل، فعمالة الأطفال يقف خلفها أباء لا يملكون حسَّ المسؤولية وأمهات يعالجن الحمار من روثه!!
في أرجاء الوطن يموت بعضٌ من هؤلاء بإصابات عملٍ متعددة ويبقى بعضهم رازحاً تحت وطأة الإصابة التي يمكن أن تُعيق مسار حياته دون أن يستند إلى قانون عمل أو تأمين على حياة أو رعاية حكومية.. أطفال في عمر الورد ولون الخريف ونكهة الشتاء المُفجِعة لا يجدون موسماً للراحة ولا يحميهم من التعب إلا المزيد منه!!. لماذا تعاني الأوطان النامية هذا الجفاء والجهل والجفاف والجبروت؟ ولماذا يجب أن يدفع الضعفاء ثمن أقوات الأغنياء؟ ولماذا يحدث هذا فقط في بلاد المسلمين؟!..
صغار أراهم كل يوم على أبواب الموت تنسدل على جباههم سِماتُ الخوف والحيرة والفزع، كلما انقضى نهارا بكل ما فيه من تشرد وضياع جددوا العزم على الانطفاء في تلابيب الليل ليشرقوا من جديد.
أطفال، وما عساه يصنع طفل، لا لُعبة بين يديه ولا كعكة ولا عصا من السكر؟ ما عساه يقول حين يكون قاموس مفرداته لا يعرف السكينة والراحة والرفاهية والأمان؟ فهل ينقص أوطاننا أن تبدأ مشوارا آخر من مشاوير السياسة التي لا نعود منها إلى بخفي حنين؟ هل ينقص أطفال هذا الوطن مزيدا من الفقر والجوع والبؤس وقلة الحيلة؟
أطفال اليمن لا يشبهون حتى أطفال القدس المحتل ، فعلى الأقل تصل نسبة الأمية في فلسطين إلى الصفر وحتى لو عمل الأطفال في سن مبكرة إلا أنهم ينجون من الجهل الذي لم ينجو منه أطفالنا في اليمن.
ألطاف الأهدل
صغار على أبواب الموت 1396