أن تكون مصدراً للظلم وأنت أقدر على نشر العدل فهذا ضرب من الجنون، ومرحلة متأخرة من مراحل الاستكبار والتجبر.. وهذا تحديداً ما حدث مع أمة الإسلام التي حملها الله رسالة الإعمار ونشر السلام والحرص على إقامة العدل ونصرة المستضعفين من الناس.. نعم، فقد تخاذلت هذه الأمة عن نصرة أبنائها وأهل الرباط فيها ومن أوصاهم نبيهم (ص) بوصلهم بأسباب النصرة ولو كانت النصرة زيتاً يُسرج به في قناديلهم..
ولو أن كل ما تملك الأمة من طاقة عسكرية وحربية موجهة لنصرة هذه الفئة المستضعفة من جسد الأمة لتهاوت أصنام الظلم والجبروت على الأرض كما تتهاوى الحجارة عن سفوح الجبال العالية، ولما بقي من أبناء أمة الإسلام من يشكون جوعاً أو مخمصة.. لكننا تهاونا في النصرة واخترنا الدعة والترف، بل ودعتنا قدرتنا على الظلم إلى تدويل قضية هؤلاء المستضعفين في فلسطين حتى أصبحت مسلسلاً أبدياً نشاهدهُ كل يوم على شاشات التلفاز وكأنه مادة للتسلية والمرح، وإذا كان لبعضنا شيء من الرحمة اتبع زفراته بشيء من ماء العين.. ثم ننسى، ننسى أن قضية فلسطين قضية عقيدة وأن التنصل من مسؤولية النصرة ولو بكلمة حق هو خيانة لهذا الدين القويم الذي أمر بالعدل والإحسان وإتيان ذي القربى.
ومن وجهة نظري الخاصة فإن نصرة فلسطين واجب وحق، ولو أننا أخلصنا النية وأحسنا التوكل وتجردنا من المصالح ووقفنا أمام أعداء الله صفاً واحداً لما وجدت الصحف والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء ما تكتبه عن هذا الوطن المنتهك، لكن من رحمة الله القدير أن يزرع في قلوب الفلسطينيين أملاً لا يمكن أن تجتثه ترسانة الكيان الإسرائيلي بكل ما تحويه من عدة وعتاد، فإن لهؤلاء الناس إرادة لا يمكن وصفها، وقدرة على تحمل أعباء الحياة لا يمكن تخيلها، فهم مربوطون إلى الحياة بحبل سري لا يراه إلا من جرب أن يحمل أسباب المنية على كتفيه مدى الحياة، لم يكن ليصيبنا ما أصابنا اليوم من ضعف وفتنة واستكانة وقلة حيلة لو أننا نصرنا هؤلاء ووقفنا إلى صفوفهم المغتصبة والمهجرة في أجساد متراصة كأسنان المشط، صفوف لا تعود إلى الخلف أبداً، بل تمضي وإن نصب لها أعداؤها مشانق الموت ومقاصل الفناء ورفع على أعناقها سيوف الموت المحتم..
صفوف راضية عن نفسها، لأن الموت لا يعني لها إلا البقاء والخلود.. هم يخافون الحياة بلا كرامة، بينما نخاف الموت حتى ونحن مجردون من كل معاني الكرامة.. نعلم كيف بدأت قصة النضال التي يعيشها هذا الشعب لكننا لا نعلم كيف ستنتهي، ومع هذا سنبقى شهود عيان فقط دون أن نحاول إلغاء هذا الحاجز الحديدي الذي فرضناه على أنفسنا كآلية عبثية لحصار جديد تعيشه أرواحنا خوفاً من الموت لا أكثر.
ألطاف الأهدل
لو أننا نصرنا فلسطين 1261