عندما كنت طفلة أدرس في الصفوف الأولى ابتدائي كنت لا أفعل شيئا يذكر سوى اللعب والمرح والتمتع بالحديث مع معلمتي وترديد بعض الكلمات خلفها وكتابتها على صفحات كتب كبيرة ملونة مليئة بالصور !
في تلك المرحلة لم أكلف بأية واجبات !!
كبرت قليلا لأحظى بتعليم على يد كوادر خارجية _ أشقاء عرب _علمونا في الصفوف الابتدائية الأخيرة, ما زلت أحتفظ بصورهم وأسمائهم كأحفورات في مساحات عقلي المحب للعلم!
كنت وجميع زميلاتي ننسخ في كل حصة الكثير من السطور البيضاء المتشابكة المخطوطة على سبورة سوداء عريضة دونما تذمر أو قلق, فوقت الحصة طويل..!
كانت كتب المنهج قليلة الأوراق كثيرة الصور والألوان, وعدد الحصص قليل قياسا بمنهج وحصص صغارنا اليوم, ورغم ذلك تجدنا قادرين على القراءة والكتابة الجيدة منذ الصف الثالث ابتدائي..!
كتبت أختي الكبرى رسالة لأبي المغترب وهي في الصف الثاني, بقي محتفظا بها لدهر, ووجدناها ضمن أوراقه الخاصة بعد وفاته!
كنا نعشق مدرستنا الفسيحة بفنائها الواسع, والذي يحيط بها من جميع الجهات, نعشق رائحة الكتب الجديدة بعبق الحبر ونستلذ بملمسها الناعم وبهجة الألوان, كان في مدرستي حصة تدبير منزلي, صنعت كعكة لأبي وأنا طفلة في الصف الخامس ابتدائي, علمتني طريقة طهيها في مطبخ المدرسة معلمة التدبير المنزلي, وعلمتني حياكة الصوف وصوغ زخارف زينة, وهناك في تلك المدرسة الابتدائية كان ثمة معمل بشاشة سينمائية.. شاهدت أفلاما علمية وكوميدية وضحكنا كثيرا مع معلم النشاط, وكان لنا حصة قراءة حرة, نذهب لمكتبة المدرسة المكتظة بكتب كثيرة لنقرأ..
هذا ليس حلم أو خيال؛ بل هو حقيقة حصلت عليها في مدرسة حكومية في اليمن.. واليوم كيف أضحى حال التعليم في بلادنا؟
كيف هو حال الصفوف الأولى الابتدائية في المدارس الحكومية؟
لماذا يسير التعليم إلى الوراء؟
لماذا يوجد طالب جامعة يسوّد ورقة الامتحان بالأخطاء الإملائية, وبالكاد يتهجأ الكلمات ؟!
أما المدارس الخاصة فحدث ولا حرج ..
قبل قرابة عامين توظفت في مدرسة خاصة فرأيت عجبا.. سأكتب يوما ما رأيته في سلسلة مذكرات معلمة محبطة!
وجدت طالبا في الصف السادس يرفض كتابة تمرينات درس مكونة من بضع كلمات, سطرتها لهم على سبورة شفافة بخط عريض, قلت له لماذا لا تنقل التمرينات من على السبورة يا بني ؟ أجابني:
وما فائدة ذلك إذا كنت لن أتمكن من قراءة خطي!!
نبيلة الوليدي
عودة إلى المدارس أم للتجهيل ؟؟! 1288