حينما خرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى جانب وزير دفاعه موشي يعلون ورئيس أركان جيشه "بني غانتس"، في خطاب "النصر الحزين" على حد تعبير "يتسحاق هرتسوغ" زعيم حزب العمال اليساري، وحديث الأول عن تحقيق معظم أهداف الجيش في غزة، وتأكيده على عدم تحقيق أي من مطالب حماس وهو الجزء من الخطاب الذي يهمنا، تحلينا بضبط النفس الاستراتيجي وقررنا عدم الخوض في الموضوع إلى حين توضح الصورة بشكل كامل.
لكن، عندما تقرر سلطات الاحتلال اقتطاع 400 هكتار من أراضي الضفة الغربية قصد بناء مستوطنات جديدة، وترفض السلطات المصرية فتح معبر رفح وتربط ذلك بضرورة إشراف حرس تابع لسلطة رام الله عليه وتبلغ إسرائيل بهذا القرار، نجدنا أمام حتمية تحليل هذه المستجدات بموضوعية.
لن يمر علينا اقتطاع هذه المساحة من الأراضي ـ والتي لم يشهد لها مثيل منذ ثمانينات القرن الماضي ـ مرور الكرام، فهذا الفعل اللا مشروع له دلالات سياسية خطيرة، تقودنا صوب الصراع السياسي الدائرة رحاه في الداخلين الإسرائيلي والفلسطيني.
وعليه، ظننا في بادئ الأمر أن نتنياهو لن يستطيع الخروج من بين فكي كماشة اليمين المتطرف (حزبي إسرائيل بيتنا والبيت اليهودي) الداعي للعودة نحو الحرب، والوسط (حزبي هناك مستقبل والحركة) المتبني للمفاوضات، وكنا صادقين في توقعاتنا إلى أن استفاد صقر الليكود من الصراعات الداخلية الفلسطينية بين كل من فتح وحماس، فتوفق في اختيار اللحظة المناسبة للقيام بإجراءات تقلل من حدة الضغوطات اليمينية.
ومن ثم، نأخذ حديث نتنياهو عن عدم تحقيق مطالب حماس مأخذ الجد، فالرجل وبالرجوع إلى تاريخه السياسي نجده بارعا في استغلال أنصاف الفرص، وها هو اليوم ذاهب نحو تقويض اتفاقات القاهرة بدعوى أن الجانب الفلسطيني منقسم ويستحيل تحديد الطرف الذي يتوجه عليه التنفيذ.
الجولة الثانية من المفاوضات والتي ستنطلق بعد أسبوعين لتدارس مسألتي المطار والميناء تحت غطاء مصري غير مباشر، ذاهبة بدورها نحو الفشل وإسرائيل متجهة بدورها نحو طريق اللا عودة إلى اتفاقات 2012.
نحمل السلطة الفلسطينية كل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، فبدل أن يوجه السيد أبو مازن اتهاماته إلى حماس، ويكرر على مسامعنا أنه أخبر نتنياهو بالعودة إلى ما قبل أوسلو في حال عدم حل الدولتين، كان لزاما به التحلي بضبط النفس وعدم الإسراع إلى إظهار الإنقسام للعدو، وحل الخلافات في كنف منظمة التحرير الفلسطينية.
ننتظر من السيد أبو مازن أن يكون رجل كلمة، فلا من فعل غير مشروع أكثر من هذا الاقتطاع التاريخي لأراضي فلسطينية، لكي تعود السلطة إلى ما قبل أوسلو، فلغة التفاوض أصبحت غير مجدية والمقاومة لانتزاع الحقوق هي الحل الوحيد.
نعرج صوب مصر، لنقف أمام نظام سياسي تنصل ببشاعة من دوره التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، فالسلطات المصرية أكدت أكثر من مرة أن معبر رفح مسألة بين المصريين والفلسطينيين، لنفاجئ برفض الجانب المصري للاتفاق المبدئي لفتحه، وإبلاغ إسرائيل بهذا القرار على أساس أنها لم تكن مسألة مصرية ـ فلسطينية !!
أهم الردود الدولية حول الاقتطاع الإسرائيلي، جسدتها الخارجية الفرنسية حينما دعت إسرائيل إلى العدول عن هذا العمل الذي من شأنه أن يؤدي إلى مواجهات في الضفة الغربية، في تعبير واضح وصريح عن همهم الوحيد المتمثل في عدم قيام أي انتفاضة ثالثة وحماية احتياطهم الاستراتيجي في قلب الوطن العربي (إسرائيل).
على جميع الأطراف الفلسطينية وبالخصوص فتح الوقوف وقفة رجل واحد والترفع عن خلافات من شأنها أن تذهب بالقضية الفلسطينية نحو نفق مظلم وتقوض كل المكاسب التي حققتها المقاومة.
*كاتب مغربي
سامي السلامي
خيوط اللعبة بدأت تتضح!! 1412