مما يثير القلق في النفس هذه الموجة المتعصبة للمذهبية والتي تحاول أن تغرس أوتادها في جسد مجتمع بسيط قلّما تجد فيه من يستوعب فكرة التشيع والتشبث بالمبادئ العقائدية التي تبتعد عن السنة الحقة والسير على المنهج النبوي القويم لدرجة أن يصل الأمر بتقسيم المساجد وتحديد هوياتها والاختلاف بين القيمين عليها حول انتماء المصلين لمذاهبها وتحديد توجهات منابرها واعتبارها بيوتاً لتدريس مناهج عقائدية متعصبة لا نعرف لها وجوداً في مجتمعنا إلا منذ عهدٍ قريب، بعد أن أصبحت المذهبية سلاحاً يمكن أن يشهره أصحابه في وجوه الآخرين، وبهذا يكون مجتمعنا اليمني قد حُمّل (بضم الحاء وتشديد الميم) وزراً جديداً مع أوزار حملتها إياه سياسة النظام وتوجه الحكومة وخيانة البعض ممن نكثوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا سُبل الأمن والطمأنينة عن هذا الشعب، وكأنه ينقص الإنسان اليمني هذا التشرذم حول مبادئ عقائدية ركيكة والانشغال بها عن البحث عن لقمة العيش التي قضمتها السياسة ومضغتها الأحزاب واستمرأتها قلوب المنافقين في الداخل والخارج..
كانت المساجد فيما مضى من الوقت مدارس للتعليم والتأديب والتهذيب وتخريج القادة والرياديين ومن لديهم القدرة الفذة على تحريك وتغيير المجتمعات إلى الأفضل دون زعزعة عقائدهم والضغط عليهم لتبديل مللهم وتحويل طرائقهم، لكنها اليوم مراكز لتخريج أفواج عظيمة من التابعين لمنابرها الداعية للانقسام وإشاعة الفوضى الدينية والدفع بالناس للالتفاف على الشرع والبحث عن حجج واهية كمخارج ومبررات..
إنها بيوت الله التي ما رُفعت إلا ليذكر فيها اسمه ليل نهار صلاة وتسبيحاً ومناجاة، وعلى من يدعو إلى غير ذلك أن يتأمل قول الله تعالى في سورة البقرة الآية (114): (ومن أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذابُ عظيم)..
وليتأمل أيضاً قول الله تعالى في سورة النور الآية (36، 37): (في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار).. وآيات أخرى كثيرة في كتاب الله تبرز الدور الذي تلعبه بيوت الله في شحذ همم الناس وتصحيح مسارهم.
لقد تجاهلنا دور المسجد في الارتقاء بالمستوى الفكري والأخلاقي وحتى الاقتصادي للمجتمعات المسلمة، وأصبحت نظرتنا له ضيقة ومحصورة في استخدام منابره لمواجهة المنابر السياسية واستقصاء نتائجها والخوض فيها.. إنهُ بيت الله أيها الناس، فهل أنتم منتهون؟!.
ألطاف الأهدل
حتى بيوت الله؟! 1303