ما من انتفاضة أو ثورة أو حركة إلَّا ولها مقدماتها الموضوعية والذاتية الممهدة لها. خذوا مثلاً حراك الجنوب الذي كان حصيلة لفشل الإدارة السياسية لدولة الوحدة بدرجة رئيسة ومن ثم لركام كثيف من المشكلات والممارسات والمظالم التي لم يشاء وقفها أو معالجتها من صانع القرار الذي ظل ممانعاً ورافضاً وأحياناً مستهتراً حيال هذه المشكلات التي وبمضي الوقت صارت قضية جمعية معبرة عن نفسها وإنْ بأوجه مختلفة.
فحين لم يسمع الساسة لشكوى وتذمر الساخطين الغاضبين تفاقمت الحالة وساءت لحد المطالبة بالتحرير والاستقلال.
قضية صعدة كذلك؛ فحين عجزت ثورة الضباط عن تجسيد مبادئ وقيم ثورتهم على نظام كهنوتي سلالي ثاروا عليه يوم 26سبتمبر 62م كانت الملكية قد بقت وإنْ على شاكلة هاجس وحنين ومظلمة. فواقع الحال أن هذه الجمهورية لم تستطع إثبات وجودها كبديل لنظام ثيوقراطي وفي مساحة طالما ظلت عصية اختراقها بأفكار حداثية مثل هذه التي مازالت عالقة وبعيد عقود نيفت الخمسة.
كيف لا تظل الإمامة هاجساً ودعوة ماثلة؟ وكيف لا تكون الإمامة فكرة مستقطبة جاذبة مغرية للكثير إذا ما كان النظام الجمهوري مآله حُكم فردي عصبوي عائلي استبدادي عبثي؟.
ثورة فبراير 2011م أعدها نتاج فشل سياسي لم يقدر على تمثُّل مبادئ وقيم الديمقراطية وقبلها أيضاً وحدة وجمهورية؛ النتيجة بالطبع ثورة شعبية عارمة خالعة للحاكم الفرد المستبد الفاسد والعاجز – أيضاً – عن قيادة دفة بلد أوصله إلى تخوم تفكك واحتراب وضياع كامل.
لكن هذه الثورة بقدر ما نجحت في عزل الرئيس، فضلاً عن تفكيك وخلخلة منظومة حُكم طالما ظل متماسكاً عصياً؛ كانت بالمقابل هذه الثورة قد تعثرت وراوحت وقتاً، فإلى يومنا هذا مازالت عاجزة أو قولوا متعثرة عن بلورة مشروعها الواضح والمطمئن بحيث يمكن لنظامها الجديد إعادة الاعتبار للوحدة جنوباً وللجمهورية شمالاً وللديمقراطية موضوعاً.
فالثورة كناية دالة على لحظة فارقة مؤصلة متقاطعة كلياً مع تواريخ وممارسات ماضوية، كما ومن ناحية فاتحة لعهد قادم منطلقه الحاضر وغايته المستقبل.
إذن الحراك والحوثية والثورة وما بعدها ليست سوى تعبيراً لفشل سياسي، فهذه الوحدة السياسية كان من تجلياتها أزمة وحرب كارثية ، ومن ثم ممارسات عنجهية أُريد بها فرض الوحدة ولو بالقوة والجبروت, فكان الحراك أمراً اعتيادياً.
ثورة فبراير- التي هي كناية عن إخفاق سياسي- فعندما فشلت الديمقراطية اليمنية وأدواتها عن إحداث التغيير السياسي المنشود كان أنْ لجأ الشباب إلى الثورة. الحوثية كظاهرة تخلقت أيضاً من فشل الجمهوريين خلال العقود المنصرمة وكذا الثائرين المحبطين الساخطين من المرحلة الانتقالية.
ما نشاهده الآن من ثورة شعبية ليس سوى ردة فعل طبيعية نحو إخفاق سياسي آخر لم يفلح بعد في طمأنة الكثير ممن رأوا فيه حلاً عادلاً للوحدة والجمهورية والديمقراطية وحتى الثورة والمعيشة والخدمة ومحاربة الفساد وو إلخ من المسائل الحيوية التي مازالت عالقة أو مؤجلة بانتظار مواجهتها بشجاعة وجرأة وحسم من الإدارة الانتقالية.
نعم.. ما من انتفاضة أو ثورة أو حركة إلا ولها أسبابها ومقدماتها، لذا ينبغي أن نشغل أنفسنا بماهية الحلول والمعالجات السياسية الضرورية والملحة للمرحلة بدلاً من مواجهة الحشود المناوئة بحشود بموالية، فالمهم برأيي كامن بالفعل السياسي الناجع والعادل والوثيق لا في قمع وتلجيم الصوت المناهض، في ما تحققه الإدارة الانتقالية من نجاح على صعيد تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار وبناء الدولة اليمنية الحديثة لا في ملايين الستين أو السبعين أو الحصبة.
محمد علي محسن
ما من انتفاضة أو ثورة من الفراغ! 1494