يوماً بعد يوم تتعمق أزمات اليمن وتزداد استفحالاً وسط قناعات من أن هذه الأزمات صارت هي الأقوى والأفعل والأكثر قدرة على النمو والحياة؛ لذا فلا يكاد يخمد لهيبها قليلاً حتى تطل بقرونها من جديد على رؤوس البسطاء بعد أن أصبح هناك من يرى في استمرار هذه الأزمات ضرورة لتقوية طرف أو جماعة أو حزب وإضعاف آخر وتهميشه باعتبار أن ذلك هو الكفيل بتبادل الأدوار وتدوير المصالح ومغانم السلطة وكراسي الحكم بين الأفرقاء والمتصارعين على أشلاء جسد هذه البلاد المثخن بالجراحات والندوب الغائرة.
وبفعل هذا الواقع السوداوي والمؤلم يظل المشهد في اليمن بكل غموضه وضبابيته وتعقيداته أكثر استعصاء على الفهم إن لم يبدُ مختصراً في عنوان يحمل كل التناقضات, فالحلول التي خرج بها مؤتمر الحوار للمشكلات القائمة هي من بقيت محفوظة في الأدراج على مدى الأشهر الماضية بعد أن انشغل الجميع عنها بتطورات الأحداث المتصاعدة والمتسارعة إلى درجة أصبحت فيها تلك الحلول لا ترتقي ربما إلى مستوى المخاطر الراهنة والتي تتهدد بتقويض العملية الانتقالية برمتها والانزلاق بالدولة والمجتمع إلى مهاوي الفوضى والتفكك والانهيار الشامل..
فشمال البلاد يغلي بالصراعات القبلية وحروب المليشيات المسلحة والمواجهات الدامية التي أسهمت في خروج العديد من المحافظات عن سيطرة الدولة ونطاق نفوذها لتصل حمى هذا الانفلات والتدهور إلى العاصمة صنعاء التي تطوقها منذ عدة أسابيع حشود قبلية مسلحة تنادي بإسقاط الإصلاحات السعرية على المشتقات النفطية وتغيير الحكومة وإنهاء مظاهر الفساد فيما يعاني جنوب البلاد هو الآخر من الانقسام بين من يتمسكون بالوحدة مع الشمال ومن يدعون إلى الانفصال واستعادة الدولة الشطرية التي كانت قائمة قبل اندماج شطري اليمن في كيان واحد إلى جانب ذلك يأتي انتشار عناصر تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية والشرقية كواحدة من الإشكاليات الكبيرة التي تظهر الدولة عاجزة عن مواجهتها في الوقت الراهن الأمر الذي جعل من بعض المحافظات كحضرموت وشبوة أشبه بساحة مفتوحة يتسلل إليها الكثير من الغرباء عبر الشواطئ على الرغم من خطورة هذه العملية على الوضع الأمني الهش خصوصاً إذا ماكان هؤلاء الغرباء على صلة بأنشطة تنظيم القاعدة أو أية جماعة أخرى.
لقد لاحت بارقة أمل مطلع هذا الأسبوع بشأن الأزمة التي تشهدها العاصمة صنعاء عندما انطلقت عملية تفاوضية يقودها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر من أجل إيجاد حل سياسي لتلك الأزمة المتفاقمة منذ عدة أسابيع في إطار حوار بين النظام وجماعة أنصار الله(الحوثية) وهي أزمة من بين عشرات الأزمات التي يحاول الرئيس عبدربه منصور هادي التعاطي معها بأسلوب (العصا والجزرة) إلا أن كل هذه التدخلات تصطدم بمؤثرات الانقسام السياسي والصراعات المتفجرة والتي دائما ما تسبق خيارات الحل مما تصبح معه الحالة اليمنية فريدة من نوعها بالنظر إلى ما يجري على الأرض من أحداث تجعل من هذا البلد يجلس على برميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة وهو انفجار إذا ما حدث فسيكون انفجاراً فوضوياً ومدمراً ونيرانه لن تبقى محصورة في اليمن وداخل حدوده بل إن ارتداداته الأقوى ستفيض إلى خارجه.
وهنا نتساءل: هل هناك حل مرتقب على المدى المنظور؟. الإجابة المحزنة أنه لا حل قريباً يلوح في الأفق, فجميع المؤشرات تؤكد ذهاب اليمن إلى مرحلة خطرة ما لم يستعد أبناء اليمن حكمتهم الضائعة ويعملوا على انتشال وطنهم من بين ركام الأزمات والصراعات التي تعبث بأهله ووحدته وأمنه واستقراره وتدفع به إلى المجهول.
الرياض السعودية