هي من المظاهر السلبية والسلوكيات المزدوجة التي نلاحظها في مجتمعنا ولا نملك أمامها إلا النقد فقط، فلا يبدو أن الناس ترفضها أو حتى تنتقدها طالما والمسألة في نهاية المطاف مسألة (أكل عيش)! لكن المشكلة أن قداسة الوظيفة التعليمية والتربوية تتنافى تماماً مع مهنة السمسرة التي ترتكز على أسس ومفاهيم سوقية مرتبطة بالخبرة التراكمية في مسائل البيع والشراء وقراءة رغبات العملاء بطريقة خارجة عن القانون في كثير من الأحيان، فكيف يمكن لمعلم تربوي فاضل مهمته الرئيسية نقل الجيل من ظلمة الجهل إلى نور العلم أن يسقط أيمان الله المغلظة في قاع الأرض وهو يعلم أن بضاعته منقوصة وعقد البيع قائم على الغش، حدث ذلك مع زميلةٍ لي ابتاعت قطعة أرض متواضعة لتتمكن من بناءها لأطفالها في المستقبل، لكن أخلاق السمسرة التي طغت على أحد هؤلاء السماسرة من حولها جعلتها تبتاع أرضاً ليست ملكاً لمن أدعى ملكيتها، وكان التربوي السمسار صاحبنا هو الشاهد والوسيط والضمين والأمين على بصيرة البيع والشراء، ولولا أن هداها الله في آخر لحظة لعرض أوراقها على محامٍ متخصص لكانت الآن في عداد قائمة المغفلين أو المغدور بهم من قبل هؤلاء السماسرة، لكن هناك سؤال هام يجب أن تتوفر له إجابة شافية: لماذا لجأ هؤلاء التربويون لمهنة السمسرة تحديداً؟ هل انهارت أمامهم هيبة المعلم بعد أن اختلط حابل المجتمع بنابله؟ أم أن هذه المهنة الرخيصة أكثر ربحية من معاش الدولة الذي يصل وقد امتصت أزمة الغلاء كل شرايينه وأوردته؟ وهل انتشرت هذه المهنة بين أوساط التربويين على سبيل النصيحة أم بمحض الصدفة؟
لا أدري في الحقيقة ما الذي يجعل إنساناً تربوياً في مقامٍ رفيع وصفة لائقة أن يتهاوى إلى هذا المستوى الوضع برأس مال من الإيمان الفاجرة والشهادة المزورة.. والحقيقة أن الخوف الأكبر على هذا الجيل الذي يقف بين يدي هؤلاء التربويين، فعن أي أمانة أو فضيلة سيتحدثون مع جيل متعطش لمثل هذه القيم الأخلاقية والإنسانية؟ المسألة ليست بتلك البساطة التي يتعامل بها الكثير من الناس فمهنة التعليم والتربية تبقى من المهن بل الرسائل السامية التي لا يمكن قياس أثرها إلا على مستوى اجتماعي واسع، وعلى هذا الأساس فإن عملية القياس تلك تعتبر مشلولة في مجتمعنا إذا اعتمدنا على واقع التربية والتعليم اليوم.
إن صفوف هؤلاء لا تخلو من الصادقين والمتميزين ولكنهم قلة يمنعهم من الظهور أنهم أصحاب مبادئ إنسانية تتنافى مع ما يشيع من مبادئ مغايرة بشكل عام.
نتمنى أن يتوقف هؤلاء التربويون عن ممارسة مثل هذه المهنة على هذه الهيئة ووفق هذا المنوال، فليعملوا لكن بنزاهة ورقي وعدم انسياق إلى حضيرة العوام من أصحاب هذه المهنة.