لم يكن اللواء الركن علي محسن صالح يجهل صعوبة وخطورة المهمة التي كلف بها من قبل رئيس الجمهورية، كان يدرك ذلك وهو العسكري العنيد والقائد الداهية، لكنه ليس من ذلك الصنف من القادة الذين يبخلون بأنفسهم على أوطانهم, فلم يفكر بنفسه ولم يفكر حتى بمغزى تكليفه في هذا الوقت المتأخر جداً والمليشيات على بعد مئات الأمتار من مقر الفرقة (سابقاً) بل كان كل تفكيره هو عمل ما يمكن عمله من أجل إنقاذ صنعاء؛ رمز الوطن من السقوط.
وفعلاً قاد المعركة وقاتل بنفسه وأخّر سقوط العاصمة 3 أيام، ولكن عندما أحس بأن هناك أمراً دبّر بليل وأن المجموعات العسكرية التي كانت حول الفرقة قد تلقت التوجيهات بالانسحاب، بل وصل الأمر إلى التخذيل داخل المعسكر نفسه علاوة على سحب التعزيز (الزهيد) الذي كان قد وصل إليه. فلما أحس بهذا كله فضّل التواري عن المشهد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الوطن، وليجنب صنعاء مخططاً دامياً كان قد تم الإعداد له بعناية..
وخلال الثلاثة الأيام التي قضاها اللواء علي محسن داخل الفرقة وقيادته للمعركة كان الكثير ممن هم حوله يدركون صعوبة الوضع, فيضغطون عليه ويطلبون منه المغادرة، ولكنه كان يرفض ضغوطاتهم ويقول: إن يوم مغادرتي سيكون له ما بعده. وقد كان محقاً في ذلك، فما تم نهب مؤسسات الدولة وبيوت المسؤولين قبل المواطنين والاستيلاء على مؤسسات الدولة بالكامل بما فيها الأماكن المقدسة عسكرياً وهي القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع والتي تم أخذ الصور التذكارية من على كرسي وزير الدفاع (المحايد) وكذلك سَوق الدبابات والمدرعات وعتاد الجيش المختلفة أمام أعين الجميع وكأنها قطيع من الأغنام يتم سوقها إلى المرعى. وكذلك أيضاً إقامة الاحتفالات في التحرير والتغني بقصيدة البردوني التي أهداها إلى الإمام أحمد بمناسبة عيد الجلوس على العرش بعد قضاءه على ثورة 48م.
أقول: ما كان ليحدث هذا كله إلا بعد انتشار خبر مغادرة اللواء علي محسن مقر الفرقة إلى مكان مجهول. وهذا يجعلني أعود بالذاكرة إلى عام 2003م أثناء غزو العراق، فعلى الرغم من أن القوات الأمريكية كانت قد دخلت أجزاء عديدة من بغداد إلا أن أعمال السلب والنهب في المدينة لم تحدث إلا بعد أن أذاعت وسائل الإعلام خبر اختفاء صدام حسين من المشهد ومغادرته إلى مكان مجهول.
فعلاً هناك قادة بحجم الوطن إذا اختفوا عن المشهد لأي سبب كان ينتكس الوطن. ومع ذلك يعتقد الكثير من الذين يعرفون اللواء علي محسن أن الرجل هو من سيضع الفصل الأخير للرواية اليمنية الحديثة.