الإخوان المسلمون بحاجة الآن- أكثر من أي وقت مضى وخاصة إخوان- اليمن لإجراء دراسة تقييمية عميقة لمسيرتهم الدعوية والسياسية السابقة والوقوف الجاد أمام الإخفاقات وأسبابها ومسبباتها مع تعزيز جوانب النجاح، خاصة أنها حركة نشأتها دعوية بالأصل، وعندما أتيح لها ولوج العمل السياسي حققت نجاحات كبيرة عبر الديمقراطية وصناديق الاقتراع في بلدان عربية عدة واعتقدت أن الظروف قد تهيأت لها، وأكاد أجزم أنها انخدعت بشعارات أميركا والغرب الذين يرفعون شعار الديمقراطية وتشجيعها في بلاد العرب فكان ذلك طعماً لها أكلته بسهولة بينما كان الغرب عندما هيأ لهم الفرصة يريد معرفة حجمهم الحقيقي ليضع له حداً ويقضي عليه في مهده، لا نشك لحظة في صدقية توجه الإخوان وإخلاصهم لبناء أوطانهم وإن كنا نأخذ عليهم عدم استيعابهم لمختلف فئات المجتمع ويغلب على الكثير منهم الانكفأ على بعضهم وتقديم الثقة على الكفاءة مما أعطى خصومهم سلاحا حاداً ضدهم الّب عليهم العامة, مستشهدين ببعض هذه السلوكيات التي أصبحت عفوية لدى بعض الإخوان وإن كانت غير مقصودة في غالب الأوقات، فجلب عليهم ذلك كثيرا من العداء والاحتقانات في نفوس البعض وسخرت وسائل الإعلام المختلفة مضخمة عليهم كل هفوة أو خطأ مهما كان تافها، خاصة أن خصوم الإخوان يمتلكون المال والنفوذ ووسائل الاتصال المختلفة, فضلا عن الإعلام المصنوع بإتقان تقوده دول كبرى ودول ذات ثراء فاحش، ولم يستعد الإخوان لهذا الجانب حق الاستعداد ويعطوه قدره، ولم يوجدوا تحالفات حقيقية وواسعة تواكب هذه المخاطر وَإِنْ وجِدَ اللقاء المشترك في اليمن إلا انه أثبت هشاشة تكوينه وتحالفه، فكان كل حزب في هذا اللقاء يغرد في سرب وحده، الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه جميعاً بعد ثورة ١١فبراير هو إسقاط الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وفيما عداه كانوا مختلفين في كل صغيرة وكبيرة, رغم البيانات المشتركة التي كانت تصدر من هذا اللقاء, وخير مثال على حجم اختلاف تصوراتهم وعدم تنسيقهم الدقيق دخولهم مؤتمر الحوار الوطني برؤى مختلفة بل ومتناقضة أحياناً، وكان المفترض أن تكون لهم رؤية موحدة في هذا المؤتمر المصيري بالنسبة للوطن مما كان سيعزز موقفهم ويقويه وما كنا سنصل إلى ما وصلنا إليه الآن.
الأحداث الأخيرة- التي جرت بعمران ثم صنعاء وسقوطها- كان الهدف منه ضرب عصفورين بحجر بإدخال الإصلاح في حرب طاحنة مع الحوثيين وبالتالي إنهاك الطرفين والتخلص من قوتهما ومن ثَمّ إعادة الحوثيين إلى صعدة، وملاحقة من تبقى من قادة الإصلاح وإيداعهم السجون كإرهابيين ومعرقلين للتغيير في اليمن وسيكون البند السابع جاهزاً للتطبيق، بل ربما سيصنعون ظلماً كإرهابيين، وبهذا تكون بعض دول الإقليم قد حققت مرادها بإزاحة خطر الإخوان والحوثيين عنها وأوصلت إلى موقع القرار اليمني من أعدتهم لذلك, بما يخدم مصالحها ومصالح الغرب، ولكن القرار المفاجئ لقيادة الإصلاح بسحب مليشياتهم وعدم المواجهة مع الحوثيين، أربك الخطة التي كانت معدة بل ربما أفشلها، ووقع مالم يكن بحسبان هذه الدول وما لم تتمناه، وأعتقد أن هذا القرار كان من أذكى القرارات المصيرية لقيادات الإصلاح في اليمن رغم مآخذنا عليهم في سياسات وقرارات أخرى أثناء مشاركتهم في حكومة الوفاق، والكرة الآن في مرماهم ومرمى الحوثيين إن أرادوا التغلب نهائيا على ما يحاك للطرفين من قِبلْ خصومهم المشتركين، وذلك بإدراك خطورة الموقف، وعلى الحوثيين ألاّ يغتروا بانتصارهم فيكرروا خطأ من سبقهم ويحاولوا الاستحواذ على كل شيء بقوة السلاح ونشوة النصر، أعتقد أنه إذا فكروا بمثل ذلك فإنهم لن يستقيم لهم الحال وكما قلت سابقا وفي مناسبات عدة أن اليمن لا يمكن أن يتفرد بقرارها طرف واحد مهما كانت قوته، وعلى الإصلاح أن يتعامل مع الحوثيين كأمر واقع لا بد من تقبلهم والتعايش معهم دون أن يحاول طرف إلغاء الآخر، مع ضرورة أن يعطي الإصلاح الجانب الدعوي اهتماما أكبر من ذي قبل بعد أن انغمس في السياسة في السنوات الأخيرة على حساب الجانب الدعوي، وما لم يتحقق للإصلاح ذلك فمن الأفضل لهم من وجهة نظري القاصرة أن لا يشاركوا في الحكم ويخرجوا إلى المعارضة يبنوا ويربوا جيلا ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وفق ضوابط الشرع والقانون، ولا يتعجلون النصر أبدا، أو يراهنون على رضا الغرب عن أدائهم بعد أن تكشفت الأمور وأصبح نيل رضا الغرب مهما حسنت نواياهم ركض وراء سراب.
محمد مقبل الحميري
الإخوان المسلمون (الإصلاح في اليمن): 1281